إحداهما: قدر ما يسد رمقه، اختارها الخرقي؛ لأنه يخرج بأكله عن كونه مضطراً، فتزول الإباحة بزواله.
والثانية: له الشبع؛ لأنه طعام جاز له سد الرمق منه، فجاز له الشبع، كالحلال.
وهل يجب عليه أكل ما يسد رمقه، فيه وجهان:
أحدهما: يجب لقول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] .
والثاني: لا يجب؛ لأنه تجنب ما حرم عليه. وقد روي عن عبد الله بن حذافة صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ملك الروم حبسه، ومعه لحم خنزير مشوي، وماء ممزوج بخمر ثلاثة أيام، فأبى أن يأكله، وقال: لقد أحله الله لي، ولكن لم أكن لأشمتك بدين الإسلام، ومن اضطر إلى طعام من ليس به مثل ضرورته لزمه بذله له؛ لأن في منعه منه إعانة على قتله، وإن بذله بثمن مثله لمن يقدر على ثمنه لزمه أخذه، ولم تحل له الميتة؛ لأنه غير مضطر، وإن امتنع من بذله إلا بأكثر من ثمن مثله فاشتراه به لم يلزمه إلا ثمن مثله؛ لأنه اضطر إلى بذل الزيادة بغير حق، فلم يلزمه كالمكره، وإن منعه منه بالكلية فله قتاله عليه؛ لأنه صار أحق به من مالكه وإن وجد المضطر ميتة، وطعاماً لغائب، فطابت نفسه بأكل الميتة فهي أولى؛ لأن إباحتها ثبتت بالنص، فكانت أولى مما ثبت بالاجتهاد، وإن لم تطب نفسه بأكلها أكل طعام الغير؛ لأنه مضطر إليه.
وإن وجد المحرم ميتة وصيداً فكذلك؛ لأن المحرم إذا ذبح الصيد صار ميتة، ولزمه الجزاء، فيجتمع فيه تحريمان، ومن لم يجد إلا آدمياً معصوماً لم يبح له قتله؛ لأنه لا يحل وقاية نفسه بأخيه، ولا يحل له قطع شيء من نفسه ليأكله؛ لأنه يتلفه يقيناً ليحصل ما هو موهوم. وإن وجد آدمياً مباح الدم، فله قتله وأكله؛ لأن إتلافه مباح، وإن وجد ميتاً معصوماً، فالأولى إباحته، لدخوله في عموم الآية؛ ولأن فيه حفظ الحي، فأشبه غير المعصوم، اختار هذا أبو الخطاب.
وقال غيره من أصحابنا: لا يباح؛ لأن كسر عظم الميت ككسر عظم الحي، وإن وجد المضطر خمراً لم يبح شربها؛ لأنها لا تدفع جوعاً ولا عطشاً، ولا فيها شفاء، لما روت أم سلمة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» وإن وجد ماء ممزوجاً بخمر يدفع العطش فله الشرب منه؛ لأنه يدفع به الهلاك.
وإن غُص بلقمة، ولم يجد مائعاً يدفعها به، وخاف الهلاك فله دفعه بها لأنه يحصل بها.