إحداهما: يجب؛ لأنه فاته الحج، أشبه من أخطأ الطريق.
والثانية: لا قضاء عليه؛ لأنه تحلل بسبب الحصر، أشبه من تحلل قبل الفوات وإن لم يجد طريقاً آمناً فله التحلل؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] . ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حصره العدو بالحديبية فتحلل، ولأنه لو لزمه البقاء على الإحرام لحرج؛ لأنه قد يبقى الحصر سنين. وله أن يتحلل وقت الحصر، سواء كان معتمراً أو مفرداً أو قارناً.
وعنه: في المحرم بالحج لا يحل إلا يوم النحر، ليتحقق الفوات؛ لأنه لا ييأس من زوال الحصر. وكذلك من ساق هدياً لا يتحلل إلا يوم النحر؛ لأنه ليس له النحر قبل وقته. والصحيح الأول للآية والخبر، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساق هدياً فنحره وحل قبل يوم النحر، ولأن الحج أحد الأنساك، فأشبه العمرة، ولو وقف الحل على يقين الفوات، لم يجر الحل في العمرة؛ لأنها لا تفوت.
فصل:
فإن كان معه هدي، لم يحل حتى ينحره؛ لقول الله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وله ذبحه حين أحصر.
وعنه: إن قدر على الحرم، أو على إرساله إليه، لزمه ذلك ويواطئ رجلاً على اليوم الذي يذبحه فيه، فيحل حينئذ؛ لأنه قادر على الذبح في الحرم، فأشبه المحصر في الحرم، والأول أصح؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر هديه في الحديبية. وهي من الحل باتفاق أهل السير ولذلك قال الله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] . ولأنه موضع حله، فكان موضع ذبحه كالحرم، ويجب أن ينوي بذبحه التحلل به؛ لأن الهدي يكون لغيره فلزمته النية، ليميز بينهما، ثم يحلق، لما روى ابن عمر «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج معتمراً فحالت كفار قريش بينه وبين البيت، فنحر هديه، وحلق رأسه بالحديبية» . وهل يجب الحلاق أو التقصير أو لا؟ مبني على الروايتين فيه، هل هو نسك أو لا؟ فإن قلنا: هو نسك حصل الحل به، وبالهدي وبالنية، وإن قلنا: ليس بنسك حصل الحل بهما دونه.
فصل:
وإن لم يجد هدياً، صام عشرة أيام، ثم حل؛ لأنه دم واجب للإحرام، فكان له بدل ينتقل إليه، كدم التمتع. ولا يحل إلا بعد الصيام، كما لا يحل إلا بعد الهدي، فإن