فصل:
ومن أراد المقام بمكة فلا توديع عليه؛ لأن الوداع للمفارق. ومن أراد الخروج لم يجز له ذلك يودع البيت بطواف، لما روى ابن عباس قال: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض» . متفق عليه. ويجعل الوداع في آخر أمره، ليكون آخر عهده بالبيت، فإن ودع ثم اشتغل بتجارة أو إقامة لزمته إعادته للخبر.
وإن صلى في طريقه، أو اشترى لنفسه شيئاً، لم يعده؛ لأن هذا لا يخرجه عن كونه وداعاً، وإن خرج ولم يودع، لزمه الرجوع ما كان قريباً يمكنه الرجوع، فإن لم يفعل، أو لم يمكنه الرجوع فعليه دم، فإن رجع بعد بلوغه مسافة القصر لم يسقط عنه الدم؛ لأن طوافه لخروجه الثاني، وقد استقر عليه دم الأول. والمرأة كالرجل، إلا إذا كانت حائضاً، أو نفساء، خرجت ولا وداع عليها، ولا فدية للخبر، إلا أن يستحب لها أن تقف على باب المسجد فتدعو بدعاء المودع، وإن نفرت فطهرت قبل مفارقة البنيان لزمها التوديع؛ لأنها في البلد، وإن لم تطهر حتى فارقته فلا رجوع عليها؛ لأنه لم يوجد في حقها ما يوجبه في البلد.
فصل:
ويستحب للمودع أن يقف في الملتزم بين الركن والباب، كما روي «عن عبد الله بن عمر أنه قام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا، وبسطها بسطاً وقال: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعله» . رواه أبو داود. ويدعو فيقول: اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بيتك، وأعنتني على أداء نسكي، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضاً، وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري، فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي، غير مستبدل بك، ولا ببيتك، ولا راغباً عنك، ولا عن بيتك، اللهم فأصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير. وما زاد على ذلك من الدعاء فحسن، ثم يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فصل:
ومن ترك طواف الزيارة، فطافه عند الخروج، أجزأ عن طواف الوداع، لأنه يحصل به المقصود منه فأجزأ عنه، كإجزاء طواف العمرة عن طواف القدوم، وصلاة الفرض عن تحية المسجد. وإن نوى بطوافه الوداع لم يجزئه عن طواف الزيارة لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: