بن مضرس بن أوس بن لام قال: «أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبلي طيئ، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا ووقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجته وقضى تفثه» هذا حديث صحيح.
وقال أبو حفص العكبري: أول وقته زوال الشمس؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف بعده، والأول أولى للخبر، ولأن ما قبل الزوال من يوم عرفة، فكان وقتاً للوقوف بها، كالذي بعده، ووقوف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يستوعب الوقت، بدليل ما بعد الغروب، ومن حصل بعرفة في وقت الوقوف قائماً، أو قاعداً أو مجتازاً أو نائماً، أو غير عالم أنه بعرفة، فقد أدرك الحج للخبر، ومن كان مغمى عليه، أو مجنونا لم يحتسب له به؛ لأنه ليس من أهل العبادات، بخلاف النائم لما ذكرنا في الصيام. ومن فاته ذلك. فقد فاته الحج.
قال ابن عقيل: والسكران كالمغمى عليه؛ لأنه ليس من أهل العبادات.
ولا يشترط للوقوف طهارة، ولا سترة ولا استقبال؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعائشة إذ حاضت: «افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت» وأمرها فوقفت. قال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يستحب أن يشهد المناسك كلها على وضوء؛ لأنه أكمل وأفضل، ويجب أن يقف حتى تغرب الشمس؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف كذلك، فإن دفع قبل الغروب ثم عاد فلا دم عليه؛ لأنه جمع بين الليل والنهار، فإن لم يعد، فعليه دم؛ لأنه ترك نسكاً واجباً، ولا يبطل حجه، لحديث عروة بن مضرس. ومن وافى عرفة ليلاً أجزأه ذلك، ولا دم عليه؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه» رواه أبو داود. ويستحب أن لا يدفع قبل الإمام. قال أحمد: وما يعجبني أن يدفع إلا مع الإمام؛ لأن أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يدفعوا قبله.
فصل:
ثم يدفع بعد الغروب إلى مزدلفة، ويسير، وعليه السكينة، وإذا وجد فرجة، أسرع؛ لقول جابر: «وأردف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسامة وسار وهو يقول: أيها الناس السكينة، السكينة حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما» وقال أسامة: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسير العنق، فإذا وجد فرجة، نص»