والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر فضُربت له بنمرة، فسار حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس، ثم أذن بلال، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم لم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه، فاستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً، حتى غاب القرص، ودفع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فهذا أولى ما فعل اقتداء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
ويستحب أن يخطب الإمام خطبة، يعلم الناس مناسكهم وفعلهم في وقوفهم، ودفعهم في أول ما تزول الشمس، ويقصر الخطبة؛ لأن سالم بن عبد الله قال للحجاج يوم عرفة: إن كنت تريد أن تصيب السنة فقصر الخطبة، وعجل الصلاة، قال ابن عمر: صدق. رواه البخاري. ويأمر بالأذان، فينزل فيصلي بهم الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين للخبر. ومن لم يصل مع الإمام، جمع في رحله؛ لأنهما صلاتا جمع، فشرع جمعهما في حق المنفرد كصلاتي المزدلفة، ثم يصير إلى موقف عرفة، وأين وقف منها جاز؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عرفة كلها موقف» رواه أبو داود. وهي من الجبل المشرف على عرفة إلى الجبال المقابلة له، إلى ما يلي حوائط بني عامر، إلى بطن عرنة؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل عرفة موقف، وارفعوا عن بطن عرنة» رواه ابن ماجه.
والأفضل الوقوف في موقف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن يقف راكباً؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف راكباً؛ ولأنه أمكن له من الدعاء، وقيل: الراجل أفضل؛ لأنه أروح لراحلته، ويحتمل أن يكونا سواء.
فصل:
ويجتهد في الذكر والدعاء؛ لأنه يوم رغبة ترجى فيه الإجابة، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما من يوم أكثر من يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، فإنه ليدنو عز وجل فيباهي بهم الملائكة. فيقول: ما أراد هؤلاء» رواه مسلم والنسائي وابن ماجه ويدعو بما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أكثر دعاء الأنبياء قبلي، ودعائي عشية عرفة، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل لي في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، ويسر لي أمري» ويدعو بدعاء ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الذي ذكرناه. ويختار من الدعاء ما أمكنه.
فصل:
ووقت الوقوف من طلوع فجر يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر، لما روى عروة