تعالى علي أن أعتكف أيام هذا الشهر أو لياليه أو شهراً بالليل أو بالنهار؛ لزمه ما نذر ولم يدخل فيه ما سواه؛ لأنه إنما يلزمه بلفظه، فيجب ما يتناوله اللفظ. وإن نذر اعتكافاً معيناً متتابعاً ففاته؛ لزمه قضاؤه متتابعاً؛ لأن التتابع صفة فيه فلم يجز الإخلال بها في القضاء.
وإن لم يقل: متتابعاً ففيه وجهان:
أحدهما: يلزمه التتابع؛ لأن الأداء متتابع فأشبه ما لو تلفظ بالتتابع.
والثاني: لا يلزمه لأن التتابع في الأداء حصل ضرورة التعيين لا من نذره، فلم يجب في القضاء كقضاء رمضان، فإن لم يكن التتابع واجباً في الأداء لم يجب القضاء بطريق الأولى.
فصل:
ولا يجوز الخروج من المسجد إلا لما لا بد له منه؛ لما روت عائشة قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان.» متفق عليه. ولا خلاف في جواز الخروج لحاجة الإنسان، وإن احتاج إلى مأكول أو مشروب وليس له من يأتيه به، فله الخروج إليه؛ لأنه مما لا بد له منه، وإن حضرت الجمعة وهو في غير موضعها فله الخروج إليها؛ لأنها واجبة بأصل الشرع فلم يجز تركها بالاعتكاف، كالوضوء، وإن دعي إلى إقامة شهادة تعينت عليه أو صلاة جنازة تعينت عليه أو دفنها أو حملها، فعليه الخروج لذلك؛ لأن وجوبه آكد لكونه حق آدمي، ولا يبطل اعتكافه بشيء من هذا ما لم يطل الزمان؛ لأنه خروج يسير مباح لم يبطل به الاعتكاف كحاجة الإنسان.
فصل:
وإذا خرج لذلك فليس عليه العجلة في مشيه أكثر من عادته؛ لأن ذلك يشق عليه، ويجوز أن يسأل على المريض أو غيره في طريقه ولا يعرج إليه ولا يقف؛ لما «روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة.» متفق عليه. ولأنه بالوقوف يترك اعتكافه وبالسؤال لا يتركه، وإن احتاج إلى قضاء الحاجة وثم سقاية أقرب من منزله، وأمكنه التنظيف فيها، وهو ممن لا يحتشم من دخولها، ولا نقص عليه فيه؛ لم يكن له المضي إلى منزله؛ لأنه خروج لغير حاجة، وإن كان له منزلان فليس له قصد الأبعد لذلك، فإن خشي ضرراً أو نقصاً في مروءته، أو انتظاراً طويلاً، فله قصد منزله، وإن بعد، فإن بذل له صديق أو غيره الوضوء في منزله لم يلزمه؛ لأنه يحتشم ويشق عليه.