فصل:
وما لا يمكن التحرز منه كابتلاع ريقه، وغربلة الدقيق، وغبار الطريق والذبابة تدخل في حلقه، لا يفطره؛ لأن التحرز منه لا يدخل تحت الوسع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وإن جمع ريقه ثم ابتلعه لم يفطر؛ لأنه يصل من معدته، أشبه ما لو لم يجمعه.
وفيه وجه آخر: أنه يفطره، لإمكان التحرز منه. وإن ابتلع النخامة ففيها روايتان:
إحداهما: يفطر لأنها من غير الفم، أشبه القيء.
والثانية: لا يفطر لأنها لا تصل من خارج وهي معتادة في الفم، أشبه الريق. ومن أخرج ريقه من فمه ثم ابتلعه، أو بلع ريق غيره أفطر؛ لأنه بلعه من غير فمه، أشبه ما لو بلع ماء، ومن أخرج درهماً من فمه ثم أدخله وبلع ريقه لم يفطر؛ لأنه لا يتحقق ابتلاع البلل الذي كان عليه، ولذلك لا يفطر بابتلاع ريقه بعد المضمضة والتسوك بالعود الرطب، ولا بإخراج لسانه ثم إعادته. ولو سال فمه دماً أو خرج إليه قلس أو قيء فازدرده أفطر؛ لأن الفم في حكم الظاهر، وإن أخرجه ثم ابتلع ريقه ومعه شيء من المنجس أفطر وإلا فلا.
فصل:
ومن استقاء عمداً أفطر، ومن ذرعه فلا شيء عليه لما روى أبو هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقى عمداً فليقض» حديث حسن. وإن حجم أو احتجم أفطر، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفطر الحاجم والمحجوم» رواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحد عشر نفساً، وقال أحمد: حديث ثوبان وشداد بن أوس صحيحان.
فصل:
وتحرم عليه المباشرة للآية، فإن باشر فيما دون الفرج، أو قبل أو لمس فأنزل فسد صومه، فإن لم ينزل لم يفسد، لما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قلت: يا رسول الله صنعت اليوم أمراً عظيماً قبلت وأنا صائم قال: أرأيت لو تمضمضت من الماء وأنت صائم قلت: لا بأس قال: فمه؟» رواه أبو داود. شبه القبلة بالمضمضة لأنها من مقدمات الشهوة، والمضمضة إذا لم يكن معها نزول الماء لم يفطر كذلك القبلة، ولو احتلم لم يفسد صومه؛ لأنه يخرج عن غير اختياره.
وإن جامع ليلاً فأنزل نهاراً لم يفطر؛ لأن مجرد الإنزال لا يفطر كالاحتلام، وإن