إحداهن: يجب الصيام، لما روى ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له» . متفق عليه. يعني: ضيقوا له العدة من قوله: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] أي ضيق عليه، وتضييق العدة له أن يحسب شعبان تسعة وعشرين يوماً، وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا حال دون مطلعه غيم أو قتر أصبح صائماً، وهو راوي الحديث وعمله به تفسير له.
والثانية: لا يصوم، لقوله في الحديث الآخر: «فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين يوماً» حديث صحيح. وقال عمار: «من صام اليوم الذي يشك فيه الناس فقد عصى أبا القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، حديث صحيح. ولأنه شك في أول الشهر، فأشبه حال الصحو.
الثالثة: الناس تبع للإمام إن صام صاموا وإن أفطر أفطروا، ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون» رواه أبو داود.
فصل:
وإذا رأى الهلال أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم؛ لأنه ثبت ذلك اليوم من رمضان، وصومه واجب بالنص والإجماع، ومن رأى الهلال فردت شهادته لزمه الصوم، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صوموا لرؤيته» فإن أفطر يومئذ بجماع فعليه القضاء والكفارة؛ لأنه أفطر يوماً من رمضان بجماع تام فلزمته كفارة، كما لو قبلت شهادته.
ولا يجوز الفطر إلا بشهادة عدلين، لحديث عبد الرحمن بن زيد، ولأنها شهادة على هلال لا يدخل بها في العبادة، فلم يقبل فيه الواحد كسائر الشهور، ولا تقبل فيها شهادة رجل وامرأتين لذلك، ولا يفطر إذا رآه وحده لما روي أن رجلين قدما المدينة وقد رأيا الهلال، وقد أصبح الناس صياماً فأتيا عمر فذكرا ذلك له، فقال لأحدهما: أصائم أنت؟ قال: بل مفطر. قال: ما حملك على هذا؟ قال: لم أكن لأصوم وقد رأيت الهلال. وقال الآخر: أنا صائم. قال: ما حملك على هذا؟ قال: لم أكن لأفطر والناس صيام. فقال للذي أفطر: لولا مكان هذا لأوجعت رأسك، رواه سعيد. ولأنه محكوم به من رمضان، أشبه الذي قبله، فإذا صام الناس بشهادة اثنين ثلاثين يوماً فلم يروا الهلال أفطروا، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين ثم أفطروا» حديث حسن. وإن صاموا لأجل الغيم فلم يروا الهلال لم يفطروا؛ لأنهم إنما صاموا احتياطاً للصوم، فيجب الصوم في آخره احتياطاً.