يجوز لرب المال تفريق زكاته بنفسه؛ لأن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليقضه ثم يزكي بقية ماله. وأمر علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واجد الركاز أن يتصدق بخمسه. وله دفعها إلى الإمام عدلاً كان أو غيره، لما روى سهيل بن أبي صالح قال: أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال وأريد إخراج زكاته، وهؤلاء القوم على ما ترى. فقال: ادفعها إليهم. فأتيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فقالوا مثل ذلك، ولأنه نائب عن مستحقها فجاز الدفع إليه كولي اليتيم. قال أحمد: أعجب إلي أن يخرجها، وذلك لأنه على ثقة من نفسه، ولا يأمن من السلطان أن يصرفها في غير مصارفها.
وعنه: ما يدل على أنه يستحب دفع زكاة الأموال الظاهرة إلى السلطان دون الباطنة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلفاءه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يبعثون سعاتهم لقبض زكاة الأموال الظاهرة دون الباطنة. وقال ابن أبي موسى وأبو الخطاب: دفعها إلى الإمام العادل أفضل؛ لأنه أعلم بالمصارف، والدفع إليه أبعد من التهمة، ويبرأ بها ظاهراً وباطناً، ودفعها إلى أهلها، يحتمل أن يصادف غير مستحقها فلا يبرأ بها باطناً.
فصل:
ويجب على الإمام أن يبعث السعاة لقبض الصدقات؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخلفاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يفعلونه، ولأن في الناس من لا يؤدي صدقته أو لا يعلم ما عليه، ففي إهمال ذلك ترك للزكاة. ومن شرط الساعي أن يكون بالغاً عاقلاً أميناً؛ لأن الصبي والمجنون لا قبض لهما، والخائن يذهب بمال الزكاة، ولا يشترط كونه فقيراً؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد بعث عمر وعمله وكان غنياً، ولأن ما يعطيه أجرة، فأشبه أجرة حملها، ولا كونه حراً؛ لأن المقصود يحصل منه من غير ضرر، فأشبه الحر، ولا فقيهاً إذا كتب له ما يأخذ وحد له، أو بعث معه من يعلمه ذلك. لأنه استئجار على استيفاء حق فلم يشترط له الفقه كاستيفاء الدين
قال أبو الخطاب: في إسلامه روايتان:
إحداهما: لا يشترط ذلك، ولأنه قد يعرف منه الأمانة بالتجربة، بدليل قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] .