بعد الأداء من الدفع لم يجزه؛ لأن الدفع حصل من غير نية قريبة ولا مقارنة، وإن دفعها إلى الإمام برئ منها بكل حال؛ لأن يد الإمام كيد الفقراء. وإن أخذها الإمام قهراً أجزأت من غير نية رب المال؛ لأنها تؤخذ من الممتنع فلو لم تجزئ ما أخذت. هذا ظاهر كلام الخرقي ويحتمل أن لا تجزئه فيما بينه وبين الله تعالى إلا بنيتها؛ لأنها عبادة محضة فلم تجز بغير نية، كالمصلي كرهاً، وهذا اختيار أبي الخطاب وابن عقيل، وقال القاضي: تجزئ نية الإمام في الكره والطوع؛ لأن أخذ الإمام كالقسم بين الشركاء، والأول أولى.
فصل:
ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل كمال النصاب؛ لأنه سببها فلم يجز تقديمها عليه كالتكفير قبل الحلف، ويجوز تعجيلها بعده، لما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن العباس سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرخص له في أن يعجل الصدقة قبل أن تحل فرخص له» . رواه أبو داود. ولأنه حق مال أجل للرفق فجاز تعجيله قبل أجله، كالدين ودية الخطأ.
وفي تعجيلها لأكثر من عام روايتان:
إحداهما: يجوز لأنه عجلها بعد سببها.
والثانية: لا يجوز؛ لأنه عجلها قبل انعقاد حولها، فأشبه ما لو عجلها قبل انعقاد وقت نصابها، فإن ملك نصاباً فعجل زكاة نصابين عنه وعما يستفيده في الحول الآخر أجزأه عن النصاب دون الزيادة؛ لأنه عجل زكاة الزيادة قبل وجودها، ولو ملك خمساً من الإبل فعجل شاتين عنها وعن نتاجها، فحال الحول وقد نتجت خمساً فكذلك، لما ذكرنا، وإن ملك أربعين شاة فعجل عنها شاة، ثم ماتت الأمهات وبقيت سخالها، أجزأت عنها؛ لأنها لا تجزئ عنها وعن أمهاتها لو كانت باقية فعنها وحدها أولى، بخلاف التي قبلها، ولو ملك عرضاً قيمته ألف، فعجل زكاة ألفين، فحال الحول وقيمته ألفان أجزأه عن ألف واحد لما ذكرنا.
فصل:
وإذا عجل الزكاة فلم تتغير الحال وقعت موقعها، وإن ملك نصاباً فعجل زكاته وحال الحول وهو ناقص مقدار ما عجلها أجزأت عنه. وإن ملك مائة وعشرين، فعجل شاة ثم نتجت أخرى قبل كمال الحول؛ لزمه شاة ثانية؛ لأن المعجل كالباقي على ما ملكه في إجزائه عن الزكاة عند الحول، وكذلك في إيجاب الزكاة، وإن تغيرت الحال قبل الحول بموت الآخذ أو غناه أو ردته فإن الزكاة تجزئ عن ربها وليس له ارتجاعها،