فصل:
وإذا بدا الصلاح في الثمار واشتد الحب وجبت الزكاة؛ لأنه حينئذ يقصد للأكل والاقتيات به، فأشبه اليابس، وقيل: لا يقصد لذلك، فهو كالرطبة. فإن تلف قبل ذلك، أو أتلفه فلا شيء فيه؛ لأنه تلف قبل الوجوب، فأشبه ما لو أتلف السائمة قبل الحول، إلا أن يقصد بإتلافها الفرار من زكاتها فتجب عليه لما ذكرنا، وإن تلف بعد وجوبها، وقبل حفظها في بيدرها وجرينها بغير تفريط، فلا ضمان عليه، سواء خرصت أو لم تخرص؛ لأنها في حكم ما لم تثبت اليد عليه. ولو تلف بجائحة رجع بها المشتري على البائع. وإن أتلفها أو فرط فيها ضمن نصيب الفقراء بالخرص، أو بمثل نصيبهم. وإن أتلفها أجنبي ضمن نصيب الفقراء بالقيمة؛ لأن رب المال عليه تخفيف هذا بخلاف الأجنبي. والقول في تلفها وقدرها والتفريط فيها، قول رب المال؛ لأنه خالص حق الله تعالى، فلا يستحلف فيه كالحد، وإن تلف بعد جعلها في الجرين فحكمها حكم تلف السائمة بعد الحول.
فصل:
ويستحب الإمام أن يبعث من يخرص الثمار حين بدو الصلاح، لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه» . رواه أبو داود. وعن عتاب بن أسيد قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نخرص العنب كما نخرص النخل. فيؤخذ زكاته زبيباً كما تؤخذ زكاة النخل تمراً» . رواه أبو داود. ويجزئ خارص واحد لحديث عائشة، ولأنه يفعل ما يؤديه إليه اجتهاده، فجاز أن يكون واحداً كالحاكم.
ويعتبر أن يكون مسلماً أميناً غير متهم ذا خبرة، فإن كانت الثمرة أنواعاً خرص كل نوع على حدته؛ لأن الأنواع تختلف، منها ما يكثر رطبه ويقل يابسه، ومنها خلاف ذلك، فإن كانت نوعاً واحداً خير بين خرص كل شجرة منفردة، وبين خرص الجميع دفعة واحدة، ثم يعرف المالك قدر الزكاة، ويخيره بين حفظها إلى الجذاذ، وبين التصرف فيها وضمان حق الفقراء فإن اختار حفظها فعليه زكاة ما يؤخذون منها قل أو كثر؛ لأن الفقراء شركاؤه، فليس عليه أكثر من حقهم منها، وإن اختار التصرف ضمن حصة الفقراء بالخرص، فإن ادعى غلط الساعي في الخرص، دعوى محتملة، فالقول قوله بغير يمين، وإن ادعى غلطاً كثيراً لا يحتمل مثله لم يلتفت إليه لأنه يعلم كذبه، فإن اختار التصرف فلم يتصرف، أو تلفت فهو كما لو لم يخير؛ لأن الزكاة أمانة فلا تصير مضمونة في الشرط كالوديعة.