الثالث: أن يبدأ بعد إنجائه فيوضئه، لما روت أم عطية أنها قالت: «لما غسلنا ابنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها» متفق عليه. ولأن الحي يتوضأ إذا أراد الغسل فكذلك الميت، ولا يدخل فاه ولا أنفه ماء؛ لأنه لا يمكنه إخراجه، فربما دخل بطنه ثم خرج فأفسد وضوءه، لكن يلف على يده خرقة مبلولة، ويدخلها بين شفتيه فيمسح أسنانه وأنفه، ويتتبع ما تحت أظافره - إن لم يكن قلمها - بعود لين كالصفصاف، فيزيله ويغسله، كما يفعل الحي في وضوئه وغسله.
الرابع: أن يغسله بسدر مع الماء، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اغسلوه بماء وسدر» وقال للنساء اللاتي غسلن ابنته: «اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور» متفق عليه. وظاهر كلام أحمد أن السدر يجعل في جميع الغسلات لظاهر الخبر، وذكره الخرقي.
وقال القاضي وأبو الخطاب: يغسل الأولى بماء وسدر، ثم يغسل الثانية بماء لا سدر فيه، كيلا يسلب طهوريته، ولا يجعل فيه سدر صحيح. ولا فائدة في ترك يسير لا يؤثر فإن أعوز السدر جعل مكانه ما يقوم مقامه كالخطمي والصابون ونحوه مما ينقي.
الخامس: أن يضرب السدر، ثم يبدأ فيغسل برغوته رأسه ولحيته؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبدأ بعد الوضوء بالصب على رأسه في الجنابة.
السادس: أن يبدأ بشقه الأيمن، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ابدأن بميامنها» فيغسل يده اليمنى، وصفحة عنقه، وشق صدره، وجنبه، وفخذه، وساقه، وقدمه، ثم يقلبه على جنبه الأيسر ويغسل شق ظهره الأيمن وما يليه، ثم يقلبه على جنبه الأيمن ويغسل شقه الأيسر كذلك.
السابع: أن يغسله وتراً للخبر، فيغسله ثلاثاً فإن لم ينق بثلاث زاد إلى خمس، أو إلى سبع لا يزيد عليها؛ لأنه آخر ما انتهى إليه أمر النبي، ويمر في كل مرة يده، ولا يوضئه إلا في المرة الأولى، إلا أن يخرج منه شيء فيعيد وضوءه؛ لأنه بمنزلة الحدث من المغتسل في الجنابة، ولو غسله ثلاثاً ثم خرج منه شيء غسله إلى خمس، فإن خرج بعد ذلك غسله إلى سبع، فإن خرج بعد ذلك لم يعد إلى الغسل، ويسد مخرج النجاسة بالقطن، فإن لم يستمسك فبالطين الحر، ويغسل موضع النجاسة، ويوضأ لأن أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالغسل انتهى إلى سبع. واختار أبو الخطاب أنه لا يعاد إلى الغسل لخروج الحدث؛ لأن الجنب إذا أحدث بعد غسله لم يعده، ويوضأ وضوءه للصلاة.
الثامن: أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً ليشده ويبرده ويطيبه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بذلك ويستحب أن يضفر شعر المرأة ثلاثة قرون، ويسدل من ورائها، لما روت أم