عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عرض لزياد في شهادته على المغيرة، فقال: إني لأرجو أن لا يفضح الله على يدك أحداً من أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال أبو الخطاب: في ذلك وجهان.

فصل

وكل حق لله تعالى، كالحدود، والحقوق المالية، وما كان حقاً لآدمي غير معين، كالوقوف على الفقراء، والمساجد، والمقبرة المسبلة، فلا يفتقر أداء الشهادة فيه إلى تقدم دعوى؛ لأنه لا يستحقها آدمي معين فيدعيها، وكذلك شهد أبو بكرة وأصحابه من غير دعوى، وما عدا ذلك، فلا تسمع الشهادة فيه إلا بعد تقدم الدعوى؛ لأن الشهادة فيه حق لآدمي، فلا يستوفى إلى بمطالبة وإذنه.

فصل

ومن كان له على غيره حق، فقضى بعضه، وأشهد البينة بقضائه، ثم جحد الباقي، شهد الشهود للمدعي بالدين، وعليه بما اقتضى، وإن قال: أشهد أن عليه ألفاً، ثم قال: قضاه منه بعضه، أفسد شهادته؛ لأن ما قضاه لم يبق عليه، وإن لم يقبض منه شيئاً، فقال المدعي للشاهد: اشهد لي ببعض الدين، فعنه: أنه لا يشهد إلا كما تحمل؛ لقول الله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة: 108] ، وقال أبو الخطاب: عندي يجوز ذلك؛ لأن من شهد بألف، فهو شاهد بخمسمائة، وإن غير العدل شهادته بحضرة الحاكم، فزاد، أو نقص، قبلت ما لم يحكم بشهادته، وإن ادعت عنده شهادة، فأنكر، ثم شهد بها وقال: كنت أنسيتها، قبلت؛ لأن ما قاله محتمل، فلا يجوز تكذيبه مع إمكان تصديقه.

[باب الشهادة على الشهادة]

تجوز الشهادة على الشهادة فيما يثبت بشاهد وامرأتين؛ لأنه مبني على المساهلة، فجازت فيه الشهادة، كالأموال، ولا يقبل في حد الله تعالى؛ لأن مبناه على الدرء بالشبهات، وهذه لا تخلو من شبهة، ولهذا اشترطنا لها عدم شهود الأصل، وظاهر كلام أحمد: أنها لا تقبل في قصاص، ولا حد قذف؛ لأنه عقوبة، فأشبه سائر الحدود.

ونص على قبولها في الطلاق؛ لأنه لا يدرأ بالشبهات، فيخرج من هذا، وجوب قبولها في كل ما عدا الحدود والقصاص كذلك، وقال ابن حامد: لا تقبل في النكاح، ونحوه قول أبي بكر، فعلى قولهما: لا تقبل في غير المال، وما قصد به المال؛ لأنه لا يثبت إلا بشاهدين، فأشبه الحد، وما ثبت بالشهادة على الشهادة ثبت بكتاب القاضي إلى القاضي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015