الوالدين وكان متكئاً فجلس، فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فما زال يكررها، حتى قلنا: ليته سكت» متفق عليه.
ويثبت أنه شاهد زور بأحد ثلاثة أشياء: أحدهما: أن يقر بذلك.
والثاني: أن تقوم البينة به.
الثالث: أن يشهد بما يقطع بكذبه، مثل أن يشهد بموت من تعلم حياته، أو يقتله في مكان، والمشهود عليه في ذلك الوقت في بلد آخر.
ولا يثبت ذلك بتعارض الشهادتين؛ لأنه ليس تكذيب إحداهما أولى من الأخرى، ومتى ثبت أنه شاهد زور، عزره الحاكم، بما يراه من الضرب أو الحبس، وشهره، بأن يقيمه للناس في موضع يشتهر أنه شاهد زور؛ لأن فيه زجراً له ولغيره عن فعل مثله، فأما الغلط والنسيان، فلا يصير به شاهد زور؛ لأنه لم يتعمده، ولو غير العدل شهادته بحضرة الحاكم، فزاد فيها، أو نقص، قبلت ما يحكم بشهادته؛ لأنه يجوز أن يكون نسيه.
فصل
ومن قذف، أو فعل معصية توجب رد شهادته، فتاب، قبلت شهادته؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] ، نص على قبول شهادة القاذف إذا تاب، وقسنا عليه سائر من ذكرنا.
إن قذف ولم يتب، لم تقبل شهادته، سواء جلد أو لم يجلد، للآية، ولأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال لأبي بكرة: تب، أقبل شهادتك، ولأن القذف معصية توجب حداً، فوجب أن ترد بها الشهادة قبل التوبة، وتقبل بعد التوبة، كالزنا، والتوبة من الذنب: الاستغفار، والندم على الفعل، والعزم على أن لا يعود، والإقلاع عن الذنب؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 135] ، الآية، والتي بعدها، وإن كانت مظلمة لآدمي، فالإقلاع عنها، والتخلص