قول القاضي: «لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: كانت عندي جاريتان تغنيان، فدخل أبو بكر، فقال: مزمور الشيطان في بيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟! فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دعهما فإنها أيام عيد» .
قال أبو بكر: الغناء والنوح واحد، مباح ما لم يكن معهما منكر، ولا فيه طعن، وفي الجملة، من اتخذه صناعة يؤتى له، أو اتخذ غلاماً أو جارية مغنيين يجمع عليهما الناس، فلا شهادة له؛ لأنه سفه وسقوط مروءة، ومن كان يغشى بيوت الغناء، أو يغشاه المغنون للسماع متظاهراً به، وكثر منه، ردت شهادته، ومن استتر بذلك، أو غنى لنفسه قليلاً، لم ترد شهادته، فإن كثر مع الاستتار به، ردت شهادة صاحبه عند من حرمه؛ لأنه معصية، ومن أباحه، لم يردها؛ لأنه لا معصية فيه، ولم يتظاهر به، وأما الحداء، فمباح، لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قالت: «كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر، وكان عبد الله بن رواحة جيد الحداء، وكان مع الرجال، وكان أنجشة مع النساء، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابن رواحة: حرك بالقوم، فاندفع يرتجز فتبعه أنجشة، فأعنقت الإبل، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنجشة: رويدك، رفقاً بالقوارير» .
ونشيد الأعراب لا بأس به؛ لأنه كالحداء، وكذلك سائر الأصوات، إلا القراءة بالألحان، قال القاضي: هي مكروهة، وقال غيره: إن فرط فيها، فأشبع الحركات، حتى صارت الفتحة ألفاً، والضمة واواً، والكسرة ياء، حرم، لما فيه من تغيير القرآن، وإن لم يكن كذلك، فلا بأس به، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد قرأ ورجع، وقال: «ما أذن الله لشيء، كإذنه لنبي حسن الصوت، يتغنى بالقرآن، يجهر به» أي: استمع.
«وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستمع إلى أبي موسى، وقال: لقد أوتيت مزماراً، من مزامير آل