تحملها وأداؤها فرض؛ لقول الله تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] .
وقوله سبحانه: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] ، ولأنها أمانة، فيلزمه أداؤها عند طلبها، كالوديعة، وهي فرض كفاية، إن لم يوجد من يكتفى به غير اثنين، تعين عليهما؛ لأن المقصود لا يحصل إلا بهما، وإن قام بها من يكفي، سقطت عمن سواهم؛ لأن القصد حفظ الحقوق، وقد حصل.
ويستحب الإشهاد على العقود كلها؛ لقول الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] ، وقَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]- يعني: في المداينة -.
ولا يجب في عقد غير النكاح والرجعة؛ لأن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا يتبايعون في عصره في الأسواق من غير إشهاد، فلم ينكر عليهم، ولأن في إيجابه حرجاً، فسقط بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] .
فصل
ومن كانت عنده شهادة لآدمي عالم بها، لم يشهد حتى يسأله صاحبها، لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم ينذرون ولا يوفون، ويشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون» ، متفق عليه.
وإن لم يعلم بها، استحب إعلامه بها، وله أداؤها قبل إعلامه؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا أنبئكم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها» رواه أبو داود، فتعين حمل الحديث على هذه الصورة، جمعاً بين الخبرين.