تخن من خانك» والأخذ من ماله بغير علمه خيانة، ولأنه إن أخذ من غير جنس حقه، فهي معاوضة بغير تراض منهما، فلا يجوز؛ لقول الله تعالى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ، وإن أخذ من جنسه، فليس له تعيين الحق بغير رضى صاحبه، كحالة البذل، قال ابن عقيل: وجعل أصحابنا المحدثون لجواز الأخذ وجهاً، وخرجه أبو الخطاب احتمالاً؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهند: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» حين أخبرته أن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيها ما يكفيها، ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الرهن محلوب ومركوب بنفقته» ، فعلى هذا إن أخذ من جنس حقه، أخذ قدره، وإن أخذ من غير جنسه، اجتهد في تقويمه، كقولنا في المرتهن: يركب ويحلب بقدر العلف.
فصل
وإذا ادعى حقاً على إنسان، وأقام به شاهدين، فلم يعرف الحاكم عدالتهما، فسأل حبس غريمه حتى تثبت عدالة شهوده، أجيب إليه؛ لأن الظاهر عدالة المسلم، ولأن الذي على الشاهد قد أتى به، وإنما بقي ما على الحاكم، وهو الكشف عن عدالة الشهود.
وإن أقام شاهداً واحداً في حق، لا يثبت إلا بشاهدين، وسأل حبس غريمه، ليقيم آخر، لم يحبس؛ لأن الحبس عذاب، فلا يتوجب قبل تمام البينة، وإن كان الحق مما يثبت بشاهد واحد، احتمل أن يحبس؛ لأن الشاهد حجة فيه، واليمين إنما هي مقوية، واحتمل أن لا يحبس؛ لأن الحجة ما تمت، ويحتمل أنه إن كان المدعي باذلاً لليمين، ولم تثبت عدالة الشاهد، حبس؛ لأنها في معنى التي قبلها، وإن كان التوقف عن الحكم لغير ذلك، لم يحبس؛ لأنه إن حبس ليقيم شاهداً آخر، فهي كالتي لا تثبت إلا بشاهدين، وإن حبس ليحلف الخصم، فلا حاجة إلى الحبس مع إمكان اليمين في الحال، وكل موضع حبس على تعديل الشهود، استديم حبسه حتى تثبت عدالتهم، أو فسقهم، وإن حبس، ليقيم شاهداً آخر، حبس ثلاثاً، فإن أقام الخصم شاهداً، وإلا خلي سبيله، وإن ادعى العبد أن سيده أعتقه، وأقام شاهدين، فلم يعدلا، فسأل الحاكم أن يحول بينه وبين سيده إلى أن يبحث الحاكم عن عدالة شهوده، فعل ذلك، ويؤخره الحاكم، وينفق عليه من كسبه لما ذكرنا فيما تقدم.