فصل
ولو ادعى إنسان أن أباه مات، وخلفه وأخاً له غائباً، أو صغيراً أو مجنوناً، وخلف عيناً لهما في يد إنسان، فأنكر المدعى عليه، فأقام المدعي بينة بدعواه، ثبتت العين للميت، وانتزعت من يد المنكر، ودفع نصفها إلى المدعي، وحفظ الحاكم نصيب الغائب له، ولو ادعى الدار له ولأجنبي، لم ينزع الحاكم نصيب الأجنبي من المنكر؛ لأن الشريك ينوب عن نفسه، وها هنا يثبت الحق للميت، فتقضى ديونه منه، وتنفذ وصاياه، ولأن الأخ ها هنا يشارك أخاه فيما أخذه إذا تعذر عليه أخذ الباقي، بخلاف الأجنبي، وإن كان المدعى ديناً في ذمة إنسان، فهل يقبض الحاكم نصيب أخي المدعي؟ فيه وجهان: أحدهما: يقبضه؛ لأنه أنفع لصاحبه؛ إذ قد تتعذر البينة عليه عند قدومه، أو يعزل الحاكم، فوجب أن يقبضه كالعين.
والثاني: لا يقبضه؛ لأن الذمة أحوط له من يد الأمين؛ لأنه قد يتلف إذا قبضه.
فصل
إذا مات رجل وخلف ولدين، مسلماً وكافراً، فادعى كل واحد منهما أن أباه مات على دينه، ليرثه دونه أخيه، فإن عُلم أصل دينه، فالقول قول من يبقيه عليه مع يمينه؛ لأنه الأصل، فلا يُزال بالشك، وإن لم يُعرف أصل دينه، فقال الخرقي: القول قول الكافر؛ لأنه لو كان مسلماً أصلياً، لم يقر ولده على الكفر في دار الإسلام، فيكون ذلك دليلاً على أنه كان كافراً، قال ابن أبي موسى: وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية أخرى: أن الميراث بينهما نصفين، فإن أقام كل واحد منهما بينة أن أباه مات على دينه، فقال الخرقي وابن أبي موسى: يكونان كمن لا بينة لهما، وقد ذكرنا أن البينتين إذا تعارضتا، قدم أحدهما بالقرعة في وجه، وتقسم العين بينهما في وجه، ويحتمل أن تقدم بينة المسلم ها هنا؛ لأنه يجوز أن تكون اطلعت على أمر خفي على البينة الأخرى، وإن قالت إحدى البينتين: نعرفه مسلماً، وقالت الأخرى: نعرفه كافراً، واختلف تاريخهما، عمل بالآخرة منهما؛ لأنه ثبت بها أنه انتقل عما شهدت به الأولى، وإن اتفق تاريخهما، تعارضتا، وإن أطلقتا، أو أطلقت إحداهما، قدمت بينة المسلم؛ لأن الإسلام يطرأ على الكفر، وذكر القاضي أن قياس المذهب فيهما إذا لم يكن لهما بينة، مثل ما إذا تداعيا عيناً، وإن كانت التركة في أيديهما، تحالفا، وكانت بينهما، وإن كانت في يد غيرهما، أقرع بينهما، والأول أولى؛ لأن صاحب اليد معترف أن هذه تركة للميت، فلا تدل يده على الملك، وإن ادعى كل واحد منهما أن هذه التركة لي ورثتها عن أبي، ولم يعترف