والوجه الثاني: تقدم بينة رمضان؛ لأنه يحتمل أنه خفي موته في رمضان على البينة الأخرى، وعلمته الأولى.
وإن قال لعبد: إن مت من مرضي هذا، فأنت حر، وقال لآخر: إن برئت، فأنت حر، ولا بينة لهما، فالقول قول الأول؛ لأن الأصل عدم البرء، وإن أقام كل واحد منهما بينة بموجب عتقه، تعارضتا، والحكم فيها كالتي قبلها؛ لأن كل واحدة منهما تنفي ما أثبتته الأخرى، ويحتمل تقديم بينة البرء، ولأنه يجوز أن تعلمه إحداهما، وتخفى على الأخرى.
فصل
وإذا كان في يد رجل عين، فادعاها نفسان، وعزيا الدعوى إلى سبب يقتضي اشتراكهما فيها، كالإرث، والشراء في صفقة واحدة، فأقر لأحدهما بنصفها، شاركه الآخر فيه؛ لأن دعواهما تقتضي اشتراكهما في كل جزء منها، وكذلك لو كان طعاماً، فهلك بعضه، كان باقيه بينهما، فيجب أن يكون المجحود، والمقر به بينهما، وإن لم يعزيا الدعوى إلى سبب يقتضي الاشتراك، فأقر لأحدهما بنصفها، لم يشاركه الآخر؛ لأن دعواه لا تقتضي الاشتراك في كل جزء، وإن أقر له بجميعها، وكان المقر له قد أقر لشريكه في الدعوى بنصفها، لزمه دفعه إليه؛ لأنه أقر له به، فإذا وصل إليه، لزمه حكم إقراره، وإن لم يكن أقر له، وادعى جميعها، حكم له به، وانتقلت الخصومة في النصف إليه؛ لأنه يجوز أن يكون الجميع له، ويخص النصف بالدعوى؛ لأن له عليه بينة، أو يظن أنه يقر له به، ومن يملك الجميع، فهو يملك النصف، فإن قال: النصف لي، والباقي لا أعلم صاحبه، أعطي النصف الذي ادعاه، وفي النصف الباقي ثلاثة أوجه، تقدم ذكرها فيمن ادعى عيناً في يد رجل، فأقر بها لغيره، وكذبه المقر له.
فصل
فإن كان في أيديهما دار، ادعى أحدهما نصفها، وادعاها الآخر كلها، ولا بينة لهما، فهي بينهما نصفين، وعلى مدعي النصف اليمين لصاحبه؛ لأن يده على نصفها، فالقول قوله فيه مع يمينه، ولا منازع لصاحبه في نصفها الآخر وهو في يده، فإن أقام كل واحد منهما بينة، تعارضتا، وأيهما يقدم؟ ينبني على الخلاف في تقديم بينة المدعي والمنكر.
وظاهر المذهب تقديم بينة المدعي، فتكون الدار كلها لمدعي الكل، وإن كانت الدار في يد ثالث لا يدعيها، فلصاحب الكل نصفها الذي لا ينازع فيه، فإن لم يكن لهما بينة، أقرع بينهما، فمن قرع صاحبه، حلف، وأخذ النصف الآخر، وإن كان لأحدهما بينة، حكم بها، وإن كانت لكل واحد منهما بينة، تعارضتا، وسقطتا، وصارا كمن لا بينة لهما، يقرع بينهما، فمن قرع صاحبه، حلف وأخذ النصف، وعنه: تقسم بينهما، فيصير لمدعي الكل ثلاثة أرباعها، على ما مضى فيمن تداعيا عيناً في يد غيرهما.