وإن تداعيا عيناً في يد غيرهما، ولا بينة لواحد منهما، أقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة، حلف أنها له وسلمت إليه، لما روى أبو هريرة «أن رجلين تداعيا عيناً لم يكن لواحد منهما بينة، فأمرهما النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يستهما على اليمين، أحبا أم كرها» . رواه أبو داود؛ ولأنهما تساويا، ولا بينة لهما، فيقرع بينهما، كالزوجتين إذا أراد الزوج السفر بإحداهما. وإن كانت للمدعي أو لأحد المتداعيين بينة، حكم له بها، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث الحضرمي: «ألك بينة؟ قال: لا. قال: فلك يمينه» ؛ ولأن البينة حجة صريحة في إثبات الملك، لا تهمة فيها، فكانت أولى من اليمين التي يتهم فيها.
فصل:
وإن ادعيا عيناً في يد غيرهما، فأقام كل واحد منهما بينة، ففيها ثلاث روايات، إحداهن، تقدم بينة المدعي، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر» فجعل البينة للمدعي؛ ولأن بينة المدعي أكثر فائدة؛ لأنها تثبت شيئاً لم يكن. وبينة المنكر إنما تثبت ظاهراً دلت اليد عليه، فلم تفد؛ ولأنه يجوز أن يكون مستند بينة المنكر، رؤية التصرف، ومشاهدة اليد، فأشبهت اليد المفردة.
والثانية: تقدم بينة المنكر؛ لأنهما تعارضتا، ومع صاحب اليد ترجيح بها، فقدمت، كالنصين إذا تعارضا والقياس مع أحدهما.
والثالثة: إن شهدت بينة المدعى عليه بالسبب من نتاج، أو نسج، أو قطيعة، أو كانت أقدم تاريخاً، قدمت وإلا فلا، لما روى جابر «أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في دابة، أو بعير، فأقام كل واحد منهما البينة أنها له أنتجها، فقضى بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي هي في يده» ؛ ولأنها إذا شهدت بالسبب، أفادت ما لا تفيد اليد، وترجحت باليد، فوجب ترجيحها، وكل من قضي له ببينة، لم يستحلف معها؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «شاهداك، أو يمينه، ليس لك إلا ذلك» ؛ ولأن اليمين تكفي وحدها في حق من شرعت في حقه، فالبينة أولى؛ لأنها أقوى. وسواء كان الخصم ممن يعبر عن نفسه، كالمكلف، أو ممن لا يعبر عن نفسه، كغيره، لما ذكرنا.
فصل:
فإن ادعى الخارج أن الدابة ملكه، أودعها إياه، أو أجره إياها، وأنكر الآخر، وأقاما بينتين، فبينة الخارج أولى. وقال القاضي: بينة الداخل أولى؛ لأنه الخارج في المعنى، ولنا قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على المدعي» ؛ ولأن اليمين على الداخل، فكانت بينة الخارج مقدمة، كما لو لم يدع الوديعة.