أحدهما: لا يجوز له تلقينه كيف يدعي؛ لأن في تلقينه ما يثبت حقه به، أشبه تلقينه الحجة.

والثاني: يجوز؛ لأنه لا ضرر على الآخر في تصحيح دعواه، وله أن يزن عن أحدهما ما وجب عليه؛ لأنه نفع لخصمه، ولا يكون إلا بعد انقضاء الحكم، وله أن يشفع لأحدهما إلى الآخر؛ «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شفع إلى كعب بن مالك في أن يحط عن ابن أبي حدرد بعض دينه» . متفق عليه.

وإن أحب غلبة أحدهما ولم يظهر منه ذلك بقول، ولا فعل، فلا شيء عليه؛ لأن التسوية في المحبة والميل بالقلب لا يستطاع، فأشبه التسوية بين النساء. ولا ينتهر خصماً دون الآخر، لئلا يكسره، إلا أن يظهر منه لدد، أو سوء أدب، فينهاه فإن عاد زجره. فإن عاد، عزره. ولا يزجر شاهداً، ولا يتعيبه؛ لأن ذلك يمنعه أداء الشهادة على وجهها ويدعوه إلى ترك القيام بتحملها وأدائها، وفيه تضييع للحقوق.

فصل:

وإذا حضر القاضي خصوم كثيرة، قدم الأول، فالأول؛ لأن الأول سبق إلى حق له، فقدم، كما لو سبق إلى موضع مباح. فإن حضروا دفعة واحدة أو أشكل السابق، أقرع بينهم، فمن قرع، قدم؛ لأنهم تساووا، فقدم أحدهم بالقرعة، كالنساء إذا أراد السفر بإحداهن. وإن ثبت السبق لأحدهم، فآثر غيره بسبقه، جاز؛ لأن الحق له، فجاز إيثاره به، كما لو سبق إلى مباح. ولا يقدم السابق في أكثر من حكومة واحدة، كيلا يستوعب المجلس بدعاويه، فيضر بغيره. وإن حضر مقيمون ومسافرون قليل في وقت واحد، وهم على الخروج، قدموا؛ لأن عليهم ضرراً في المقام، وإن كانوا مثل المقيمين. ولا يزال ضرر بمثله. وإن تقدم خصمان، فادعى أحدهما حقاً على الآخر فقال الآخر: أنا جئت به، وأنا المدعي، قدم السابق بالدعوى؛ لأن ما يدعيه كل واحد منهما محتمل، وللسابق حق السبق، فقدم.

فصل:

وإذا كان بين اثنين خصومة، فدعا أحدهما صاحبه إلى مجلس الحكم، لزمته إجابته، لقول الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: 51] . فإن لم يحضر فاستعدي عليه، لزم الحاكم أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015