الحادثة إلى من اتضح له الحق، فحكم فيها، جاز. وإن حكم باجتهاده ثم تبين له الخطأ بنص أو إجماع، نقضه، لما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: ردوا الجهالات إلى السنة. وكتب إلى أبي موسى: لا يمنعنك قضاء قضيت به، ثم راجعت نفسك، فهديت لرشدك، أن تراجع الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، وإن الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل؛ ولأنه مفرط في حكمه، غير معذور فيه، فوجب نقضه. وإن تغير اجتهاده، ولم يخالف نصاً، ولا إجماعاً، لم ينقض حكمه، لما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أنه حكم في المشركة بإسقاط ولد الأبوين، ثم شرك بينهم بعد، وقال: تلك على ما قضينا، وهذه على ما قضينا. وقضى في الحد بقضايا مختلفة، ولم يرد الأولى؛ ولأنه لو نقض الحكم بمثله، لأدى إلى نقض النقض، والى أن لا تثبت قضية.
فصل:
وليس على القاضي تتبع قضايا من قبله؛ لأن الظاهر أنه لا يولى للقضاء إلا من يصلح، والظاهر إصابته الحق. وإن علم أن القاضي قبله لا يصلح للقضاء، نقض من أحكامه ما خالف الحق، وإن لم يخالف نصاً ولا إجماعاً؛ لأنه ممن لا يجوز قضاؤه، أشبه حكم بعض الرعية، ويبقي ما وافق الحق؛ لأن الحق وصل إلى مستحقه، فلا حاجة إلى نقضه. وقال أبو الخطاب: ينقضه أيضاً ليحكم به. وإن كان يصلح للقضاء، لم يجز أن ينقض من قضاياه، إلا ما خالف نصاً أو إجماعاً، لما ذكرنا في حكم نفسه. وإن تظلم متظلم من القاضي قبله وسأل إحضاره، لم يحضره حتى يسأله عما بينهما؛ لأنه ربما قصد تبديله. فإن قال: لي عليه مال من معاملة، أو غصب، أو رشوة، أحضره، وإن قال: حكم علي بشهادة فاسقين، أو عدوين، أو جار علي في الحكم، وله بينة، أحضره، أو وكيله، وحكم له بها. وإن لم يكن له بينة، ففيه وجهان:
أحدهما: يحضره، كما لو ادعى عليه مالاً.
والثاني: لا يحضره لأنه لا تتعذر إقامة البينة عليه. فإن أحضره فاعترف، حكم عليه، وإن أنكر، قبل قوله بغير يمين؛ لأن قوله مقبول بحال ولايته.
فصل:
ويخرج القاضي إلى مجلس قضائه على أعدل أحواله، ويقول عند خروجه: بسم الله، آمنت بالله، واعتصمت بالله وتوكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ويدعو بما روت أم سلمة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذا خرج من بيته قال: «اللهم إني أعوذ بك أن أزل أو أزل، أو أضل أو أضل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي» رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن