فصل:
ومن عين بنذره أو بنيته شيئاً من عدد الصيام، أو الصلاة، أو الهدي، أو الرقاب، أجزأه ما عينه، صغيراً كان أو كبيراً، صحيحاً أو معيباً، مما يجزئ في الواجب، ومما لا يجزئ؛ لأن الوجوب ثبت بقوله، فيجب أن تتبع فيه صفته، كأوامر الشرع. وعنه فيمن قال: إن قدم فلان لأتصدقن بمال، هو في نفسه مال، يخرج ما شاء. وهذا يدل على أنه إنما يلزمه ما لفظ به دون ما نواه؛ لأن النذر باللفظ دون النية، والأولى أولى؛ لأنه نوى بلفظه ما يحتمله فتقيد به، كاليمين.
فإن عين الهدي بغير الحيوان، جاز، ويتصدق به، أو بثمنه على مساكين الحرم؛ لأنه محل الهدي. وإن نذر هدي ما لا ينقل، كالدر ونحوه، بيع، وتصدق بثمنه. وإن عين نذر الهدي بموضع غير الحرم، لزمه ما عينه، ويتصدق به على فقراء ذلك الموضع إن لم يتضمن معصية، لما روي: «أن رجلاً نذر على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ينحر إبلاً ببوانة، فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أكان فيها وثن من أوثان الجاهلية؟ قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم، قالوا: لا، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أوف بنذرك» . رواه أبو داود؛ ولأن معهود الشرع تفرقة اللحم بالمكان الذي نذر الذبح به، فكأنه نذر فرقة اللحم على فقراء أهله.
فصل:
إذا نذر صيام ثلاثين يوماً، لم يلزمه التتابع. نص عليه؛ لأن لفظه لا يقتضي التتابع. وعنه فيمن نذر صيام عشرة أيام: يلزمه التتابع؛ لأن الصيام الواجب بأصل الشرع متتابع. والأول أولى، وهذا محمول على من نوى التتابع أو شرطه، لما ذكرناه. وإن نذر صيام شهر، ففيه روايتان:
إحداهما: لا يلزمه التتابع؛ لأن الشهر يقع على ما بين الهلالين، وعلى ثلاثين يوماً، فلا يلزمه ما بين الهلالين، فصار كنذر ثلاثين يوماً.
والثانية: يلزمه التتابع؛ لأن الشهر اسم لأيام متتابعة. فإن صام ما بين الهلالين، أجزأه، تاماً كان أو ناقصاً؛ لأنه شهر، وإن بدأ من أثناء شهر، لزمه ثلاثون يوماً؛ لأن الشهر العادي ثلاثون يوماً. وإن نذر صيام أشهر متتابعة، فبدأ من أول شهر، صامهن بالأهلة. وإن بدأ من أثناء شهر، صام شهراً بالعدد، وباقيها بالأهلة، لما ذكرنا في صوم الظهار.