والثانية: تلزمه الصدقة بجميعه، لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، والقياس على سائر المنذورات، ويحتمل أنه إن كان الثلث فما دونه، لزمه. وإن كان أكثر، أخرج ثلث المال؛ لأنه حكم اعتبر فيه ثلث المال، فكان حكمه ما ذكرنا، كالوصية.
فصل:
ومن نذر صياماً، ولم يسم عدداً، ولم ينوه، لزمه صوم يوم؛ لأنه أقل صوم يصح في الشرع.
وإن نذر صلاة، ففيه روايتان:
إحداهما: يجزئه ركعة؛ لأن الوتر ركعة مشروعة.
والثانية: لا يجزئه إلا ركعتان؛ لأن الركعة لا تجزئ في الفرض، فلا تجزئ في النذر كالسجدة.
وإذا نذر عتق رقبة، فهي التي تجزئ عن الواجب؛ لأن المطلق يحمل على المعهود في الشرع، وذلك هو الواجب في الكفارة.
وإن نذر هدياً، لم يجزئه إلا ما يجزئ في الأضحية كذلك. وعليه إيصاله إلى فقراء الحرم؛ لأن إطلاق الهدي يقتضي ذلك. قال الله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] .
وإن نذر المشي إلى بيت الله الحرام أو إتيانه، لزمه المشي في حج أو عمرة؛ لأن المشي إلى البيت المعهود شرعاً هو المشي في أحد النسكين، فحمل النذر المطلق عليه، ويلزمه المشي من دويرة أهله كذلك، وإن نذر المشي إلى البلد الحرام، أو بقعة منه، فهو كنذر المشي إلى البيت الحرام؛ لأن الحرم كله محل النسك، ولذلك صح إحرام المكي بالحج منه. وإن نذر المشي إلى غير الحرم، كعرفة وغيرها، لم يلزمه، وكان كنذر المباح، وكذلك إن نذر إتيان مسجد من مساجد الحل، لم يلزمه إلا مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والمسجد الأقصى، فإنه يلزمه إتيانهما، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا» منفق عليه. ويلزمه صلاة ركعتين فيهما؛ لأن القصد بنذره القربة، ولا يحصل إلا بالصلاة، فتضمنها نذره، كتضمن نذر المشي إلى المسجد الحرام أحد النسكين، وإن نذر الصلاة في مسجد. هو كنذر إتيانه، إلا أنه تلزمه الصلاة دون الإتيان، في غير المساجد الثلاثة، وتجزئ الصلاة في المسجد الحرام عن الصلاة في المسجدين الآخرين. والصلاة في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة في المسجد الأقصى، لما ذكرنا في الاعتكاف.