لا ينصرف إليه اللفظ عرفاً فلم يحنث بأكله، كما لو حلف: لا يأكل شواء، فأكل بيضاً مشوياً، وإن حلف: لا يأكل بيضاً، فعند القاضي: يحنث بأكل بيض كل حيوان، وعند أبي الخطاب: لا يحنث بأكل بيض لا يزايل بائضه في حياته، كبيض السمك والجراد.
النوع الرابع: أسماء يقصد بها في الغالب معنى، فإذا أطلقها في اليمين، تعلقت يمينه بما يحصل ذلك المعنى. فإذا حلف: لا يضربه، فخنقه، أو نتف شعره، أو عصر ساقه، حنث؛ لأنه يقصد ترك تأليمه. وإن حلف ليضربنه، بر بفعل ذلك؛ لأنه يحصل مقصوده، ويسمى ضرباً. وإن ضربه بعد موته، لم يبر؛ لأنه لا يحصل مقصوده، وإن حلف: لا وطئت مدينة كذا راكباً، حنث؛ لأن ذلك يراد به اجتنابها.
فصل:
القسم الثاني: الأسماء الشرعية، وهي التي لها موضوع شرعي، كالوضوء، والطهارة، والصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، والبيع. فتعلق اليمين بالموضوع الشرعي؛ لأنه الظاهر. وتعلق اليمين بالصحيح منه دون الفاسد؛ لأنه المشروع. وقال ابن أبي موسى: من حلف لا يتزوج، لم يحنث إلا بتزويج صحيح. ومن حلف لا يشتري، فاشترى شراء فاسداً، ففيه روايتان. وإن تزوج تزويجاً مختلفاً فيه، أو اشترى شراء مختلفاً فيه، حنث؛ لأنه يطلق عليه الاسم. وقال أبو الخطاب: إن باع وقت النداء، أو تزوج بغير ولي، ففيه وجهان. وإن حلف: لا يبيع خمراً ولا حراً، حنث بفعل ذلك؛ لأنه يتعذر حمل يمينه على عقد صحيح، فيتعين الفاسد محملاً لها، ويحتمل أن لا يحنث؛ لأنه ليس ببيع في الشرع. وإن حلف: ليصلين وليصومن، فأقل ذلك صوم يوم، وصلاة ركعتين، كما لو نذر ذلك، وإن حلف: لا يصلي، ولا يصوم، فكذلك عند أبي الخطاب؛ لأن ما دونه لا يبر به، فلا يحنث بفعله، كغيره من الأفعال. وقال القاضي: يحنث بابتدائهما؛ لأنه يسمى مصلياً، وصائماً. ويحتمل أن يخرج هذا على الروايتين فيمن حلف لا يفعل شيئاً، ففعل بعضه. وإن حلف: لا يبيع، لم يحنث، حتى ينعقد البيع بالإيجاب والقبول. وإن حلف: لا يهبه. أو لا يعيره، فأوجب ذلك، فلم يقبل الآخر، حنث؛ لأن المقصود من الهبة فعل الواهب، لعدم العوض فيها، بخلاف البيع. فإن مقصود البائع لا يتم إلا بالقبول. وإن حلف: لا يتصدق عليه، فوهبه، لم يحنث؛ لأن الصدقة تختص بوصف زائد، بدليل قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هو عليها صدقة ولنا هدية» .