فأما ما لا يعتقد تحريمه، كشرب الخمر، ونحوه، فلا حد عليه فيه؛ لأنه يعتقد حله، فلم يجب عليه عقوبة، كالكفر، ولا يمكن من التظاهر به؛ لأنه منكر، فلا يمكن من إظهاره، فإن أظهره عزر.
من اتجر من أهل الذمة إلى غير بلده ثم عاد، أخذ منه نصف عشر ما معه من المال، لما روى أنس بن سيرين قال: بعثني أنس بن مالك إلى العشور، فقلت: تبعثني إلى العشور من بين عمالك؟ فقال: ألا ترضى أن أجعلك على ما جعلني عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟ أمرني أن آخذ من المسلمين ربع العشر، ومن أهل الذمة نصف العشر. رواه الإمام أحمد.
والذكر والأنثى سواء في هذا؛ للخبر؛ ولأنه حق مال التجارة، فوجب على الأنثى كالزكاة، وقال القاضي: لا يجب على النساء؛ لأنه لا جزية عليهن، فعلى قوله لا تؤخذ إلا ممن تجب عليه الجزية من أهل الذمة، والأول أصح. وسواء كان تغلبيا، أو غيره، لعموم هذا الخبر؛ ولأن الواجب على التغلبي ضعف ما على المسلم، وذلك نصف العشر. وعن أحمد: أن الواجب عليه العشر، لما روى زياد بن حدير، قال: بعثني عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مصدقا، فأمرني أن آخذ من نصارى بني تغلب العشر، ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر. رواه أحمد أيضا.
وإن دخل إلينا تاجر حربي، أخذ منه العشر، لما روى لاحق بن حميد، قال: قالوا لعمر: كيف نأخذ من أهل الحرب إذا قدموا علينا؟ قال: كيف يأخذون منكم؟ قالوا: العشر. قال: فكذلك خذوا منهم.
وإن رأى الإمام التخفيف عليهم، أو الترك لمصلحة، فعل ذلك؛ لأنه فيء، فملك تخفيفه كالخراج. وقد روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يأخذ من النبط من القطنية العشر، ومن الحنطة والزبيب نصف العشر، ليكثر الحمل إلى المدينة. وذكر القاضي: أنهم إذا دخلوا بميرة، لم يؤخذ منهم شيء؛ لأنهم لنفع المسلمين. وظاهر كلام أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يؤخذ من الكل، وحديث عمر دليل عليه؛ لأنه أخذ من الحنطة والزبيب. فإن كانت تجارته في الخمر وخنزير، ففيه روايتان:
إحداهما: يؤخذ من ثمنها حقها. قال أحمد في حديث سويد بن غفلة في قول عمر: ولوهم بيع الخمر والخنزير لعشرها. هذا إسناد جيد، ولا يكون ذلك إلا على الآخذ منها.
والثانية: لا يؤخذ منها شيء، لما روى أبو عبيد بإسناده: أن عتبة بن فرقد بعث