فصل:
وعلى الإمام حفظ أهل الذمة، ومنع من يقصدهم بأذى، من المسلمين والكفار، واستنقاذ من أسر منهم، بعد استنقاذ أسارى المسلمين، واسترجاع ما أخذ منهم؛ لأنهم بذلوا الجزية لحفظهم، وحفظ أموالهم، وإن أخذ منهم خمر، أو خنزير، لم يجب استرجاعه؛ لأنه محرم، لا يحل اقتناؤه. وإن أخذ منهم أهل الحرب مالا، ثم قدر عليه المسلمون، رد إليهم إذا علم به قبل القسمة، كمال المسلم. وحكم أموالهم في الضمان حكم أموال المسلمين.
فصل:
وإذا تحاكم مسلم وذمي إلى الحاكم، لزمه الحكم بينهما؛ لأن إنصاف المسلم والإنصاف منه واجب. وإن تحاكم ذميان إليه، ففيه روايتان:
إحداهما: يلزمه الحكم بينهما، لقول الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] ؛ ولأن دفع الظلم عنهم واجب، والحكم طريق له، فوجب كالحكم بين المسلمين.
والثانية: لا يجب، بل يخير بين الحكم بينهم وبين تركهم، لقول الله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] ؛ ولأنهما كافران، فلم يجب الحكم بينهما كالمستأمنين، ولا يحكم بينهما إلا بحكم الإسلام، لقول الله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] ، وإن دعي أحدهما إلى الحكم، لزمته الإجابة، وإن تحاكم إليه مستأمنان، خير بين الحكم بينهما وبين تركهما، للآية. وإن دعاهما إلى الحكم أو أحدهما، لم يلزمهما الحضور؛ لأن قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] نزلت في المعاهدين قبل الولاية.
فصل:
ومن أتى محرما من أهل الذمة، مما يعتقد تحريمه في دينه، كالقتل، والزنا، والسرقة، والقذف، وجب عليه ما يجب على المسلم؛ لما روى أنس: «أن يهوديا، قتل جارية على أوضاح لها، فقتله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين حجرين» . متفق عليه.
وروى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى بيهوديين قد فجرا بعد إحصانهما، فرجمهما» ؛ ولأنه محرم في دينه، وقد التزم حكم الإسلام، فثبت في حقه حكمه، كالمسلم.