أقنى الأنف، مقرون الحاجبين. ويثبت ما يأخذ منهم، ويجعل لكل طائفة عريفا، يجمعهم عند أداء الجزية، ويعرف من يبلغ من غلمانهم، ويفيق من مجانينهم، ويقدم من غائبهم، ومن يموت أو يسلم؛ لأنه أمكن لاستيفاء الجزية وأحوط. وتؤخذ الجزية مما تيسر من أموالهم، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ: «خذ من كل حالم دينارا، أو عدله معافر» .
وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأخذ من أهل نجران ألفي حلة، وكان علي يأخذ من كل ذي صناعة من صناعته التي عنده، ومن قبضت جزيته، كتب له براءة، لتكون له حجة إذا احتاج إليها، ويمتهنون عند أخذ الجزية منهم، ويطال قيامهم، وتجر أيديهم عند أخذها. ومن بعثها منهم، لم تقبل حتى يحضر فيؤديها، لقول الله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] .
فصل:
إذا مات الإمام، أو عزل وولي غيره، لم يحتج إلى تجديد عقد؛ لأن الخلفاء لم يجددوا لمن كان في زمنهم عقدا؛ ولأنه عقد لازم، فأشبه الإجارة، فإن عرف الثاني مبلغ المشروط عليهم، أقرهم عليه، وإن لم يعرف رجع إلى قولهم فيما يسوغ جعله جزية؛ لأنه لا يمكن معرفته إلا من جهتهم. فإن ثبت بعد ذلك أنهم نقصوا من الشروط التي عليهم شيئا، رجع عليهم فيما نقص. وإن قال بعضهم: كنا نؤدي دينارا، وقال بعضهم: كنا نؤدي دينارين، أخذ كل واحد منهم بإقراره، ولم يقبل قول بعضهم على بعض؛ لأن أقوالهم غير مقبولة.
لا يجوز عقد الذمة إلا بشرطين، بذل الجزية، والتزام أحكام الملة من حقوق الآدميين في العقود والمعاملات، وأروش الجنايات، وقيم المتلفات. فإن عقد على غير هذين الشرطين، لم يصح، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . قيل: الصغار: جريان أحكام المسلمين عليهم. ومن ادعى منهم كتابا من عمر أو علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بالبراءة من الجزية، لم يصدق؛ لأنه لا أصل له، ولم يذكره علماء الإسلام، وأخبار أهل الذمة لا تقبل.