فصل:
فأما سائر أهل الكتاب من النصارى وغيرهم، فلا يقبل منهم إلا الجزية، ولا يؤخذون بما يؤخذ به بنو تغلب. نص عليه أحمد، للآية والأخبار. والعرب وغيرهم في هذا سواء؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث معاذا إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا، وهم عرب. وإنما خص بنو تغلب بالصدقة، لصلحهم، فبقي من عداهم على مقتضى النصوص. وذكر القاضي: أن تنوخ وبهرا، كبني تغلب، وأن عمر صالحهم. وقال أبو الخطاب: وكذلك الحكم فيمن تنصر من تنوخ وبهرا، أو تهود من كنانة، وحمير، أو تمجس من تميم؛ لأنهم عرب، فأشبهوا بني تغلب. والصحيح الأول. ولم يصح عن عمر ولا غيره مصالحة غير بني تغلب على غير الجزية.
فصل:
ولا جزية على صبي، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لمعاذ: «خذ من كل حالم دينارا» ، وروى أسلم أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب إلى أمراء الأجناد: لا تضربوا الجزية على النساء والصبيان، ولا تضربوها إلا على من جرت عليه المواسي. رواه سعيد؛ ولأنها تجب لحقن الدم، وهو محقون بدونها، ولا على امرأة كذلك، ولا على خنثى مشكل؛ لأنه لا يعلم كونه رجلا، فلم تجب عليه مع الشك، ولا على مجنون؛ لأنه في معنى الصبي، فنقيسه عليه، ولا على زمن، ولا أعمى، ولا شيخ فان، ولا راهب؛ لأن دماءهم محقونة، فأشبهوا الصبي والمرأة، ولا على فقير عاجز عن أدائها، لقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] .
فأما المعتمل الذي يقدر على كسب ما يقوم بكفايته، فعليه الجزية؛ لأنه في حكم الأغنياء، ولا تجب على مملوك، لما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا جزية على مملوك؛ ولأنه لا يقتل بالكفر، أشبه الصبي. وعن أحمد: أن على الذمي أداء الجزية عن مملوكه. وهو ظاهر كلام الخرقي؛ لأنه ذكر مكلف قوي مكتسب، أشبه الحر. ومن كان بعضه حرا، فعليه من الجزية بقدر ما فيه من الحرية؛ لأن حكمه يتبعض، فقسم على قدر ما فيه من الحرية والرق، كالميراث.
فصل:
ومن بلغ من صبيانهم، أو أفاق من مجانينهم، أو عتق من عبيدهم، فهو من أهلها بالعقد الأول؛ لأنه تبع من عليه الجزية في الأمان، فيتبعه في الذمة، وتعتبر جزيته بحاله