فصل:
وإذا وجد المسلمون بأرض الحرب طعاما أو علفا، فلهم الأكل منه، وعلف دوابهم مع الحاجة وعدمها من غير إذن الإمام، لما روى عبد الله بن أبي أوفى قال: أصبنا طعاما يوم خيبر، فكان الرجل يجيء فيأخذ منه قدر ما يكفيه، ثم ينصرف. وروي أن صاحب جيش الشام كتب إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنا فتحنا أرضا كثيرة الطعام والعلف، وكرهنا أن نقدم في شيء من ذلك. فكتب إليه: دع الناس يعلفون، ويأكلون، فمن باع منهم شيئا، بذهب أو فضة، ففيه خمس الله، وسهام المسلمين. رواهما سعيد؛ ولأن الحاجة تدعو إليه، ففي المنع ضرر بالجيش؛ لأنه يشق عليهم حمل الزاد والعلف. ولآخذه أن يعطيه لمن يحتاج إليه، فيكون أحق به. وليس له بيعه؛ لأن الحاجة تدعو إلى الأكل دون البيع، فإن باعه لبعض الغانمين، صار الآخذ أحق به؛ لأنه صار في يده، وهو من الغانمين الذين لهم الأكل منه. وله أخذ ما دفع من ثمنه؛ لأنه دفعه إلى من لا يستحق، فإن رد الطعام إلى البائع، صار البائع أحق به؛ لأنه صار إليه. وإن باعه لغير الغانمين، فالبيع باطل، ويرد المبيع إلى الغنيمة؛ لأنه لا يملك بيعه. فإن تعذر رده، رد ثمنه، لخبر عمر؛ ولأنه تعذر رد المبيع، فوجب رد قيمته، كالمغصوب. وإن وجد دهنا مأكولا، فله أكله؛ لأنه من الطعام. وقد روى عبد الله بن مغفل قال: «دلي جراب من شحم يوم خيبر، فأتينه فالتزمته وقلت: هذا لي، فالتفت فإذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبتسم لي، فاستحييت منه» . متفق عليه.
وإن أراد أن يدهن به، أو يدهن به دابته، فقال أحمد: إذا كان من ضرورة، أو صداع، فلا بأس، وإن كان للزينة، فلا يعجبني. وذلك لأن ما تدعو الحاجة إليه من هذا، فهو مثل الطعام في الحاجة إليه، فأبيح، ولا حاجة إلى الزينة، فلم تبح، كلبس الثوب. وليس له غسل ثيابه بالصابون؛ لأنه للزينة والتحسين , قال القاضي: وليس له إطعام الجوارح، كالفهد والكلب، والصقر؛ لأنه لا حاجة إليه. وما يحتاج إليه من المشروبات للدواء، أبيح له تناوله؛ لأنه طعام احتاج إليه، فأشبه الفاكهة.
فصل:
وإن أحرزت الغنيمة، فقال الخرقي: لا يؤكل منها إلا أن تدعو الضرورة، بأن لا يجدوا ما يأكلون. ونص عليه أحمد؛ لأن المسلمين ملكوها بحيازتها، فلم يجز الأكل منها، كما لو حيزت إلى بلد الإسلام. وقال القاضي: لهم الأكل منها ما لم تحرز بدار الإسلام، أو تقسم؛ لأن الحاجة تدعو إلى الأكل منها، فأشبه ما قبل الحيازة. ويحتمل أن الخرقي أراد بالإحراز إدخالها دار الإسلام، فيكون معنى القولين واحدا. وإذا وجد في دار الحرب حيوانا مأكولا، فقال الخرقي: لا تعقر شاة، ولا دابة إلا لأكل لا بد