فصل
ومن اقتنى كلباً عقوراً، فأطلقه حتى عقر إنساناً أو دابة، أو اقتنى هرة تأكل الطيور، فأكلت طير إنسان، ضمنه؛ لأنه مفرط باقتنائه وترك حفظه. وإن دخل إنسان داره بغير إذنه، فعقره الكلب، لم يضمنه؛ لأنه متعد بالدخول، متسبب إلى إتلاف نفسه، فلم يضمنه، كما لو سقط في بئر فيها.
فصل
وما أتلفت البهائم من الزرع ليلاً، فضمانه على صاحبها. وما أتلفت منه نهاراً، لم يضمنه إلا أن تكون يده عليها؛ لما روى الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة: «أن ناقة للبراء دخلت حائط قوم، فأفسدت فيه، فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أن على أهل الأموال حفظها بالنهار، وما أفسدت بالليل، فهو مضمون عليهم.» رواه أبو داود؛ ولأن عادة أهل المواشي إرسالها بالنهار للرعي، وحفظها ليلاً، وعادة أهل الحوائط حفظها نهاراً دون الليل، فكان التفريط من تارك الحفظ في وقت عادته. وذكر القاضي: أنه متى لم يكن في القرية مرعى إلا بين زرعين، لا يمكن حفظ الزرع فيه من البهيمة، كساقية ونحوها، فليس لصاحبها إرسالها ليلاً، ولا نهاراً، فإن فعل، فهو مفرط، وعليه الضمان. ومتى كان التفريط في إرسال البهيمة من غير المالك، مثل أن أرسلها غيره، أو فتح بابها لص، أو غيره، فالضمان عليه دون المالك؛ لأنه سبب الإتلاف.
فصل
وإن أتلفت البهيمة غير الزرع، ولا يد لصاحبها عليها، لم يضمنه ليلاً كان أو نهاراً؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «العجماء جبار» . يعني هدراً؛ لأن البهيمة لا تتلف ذلك عادة، فلم يجب حفظها عنه. فإن ابتلعت جوهرة إنسان، فطلب ذبحها ليأخذ جوهرته، فعليه ضمان ما نقص بالذبح؛ لأنه فعل ذلك لتخليص ماله، وليس على صاحب البهيمة ضمان نقص الجوهرة؛ لأنها نقصت بفعل غير مضمون. وإن كانت يد صاحبها عليها، ضمن الجوهرة؛ لأن فعلها منسوب إليه، ويخير بين ذبحها، ورد الجوهرة، وأرش نقصها، وبين غرمها بقيمتها، كمن غصب خيطاً فخاط به جرح حيوان. فإن عاد فذبحها رد الجوهرة إلى صاحبها، واسترجع القيمة، كما لو غصب عبداً فأبق، فرد قيمته، ثم قدر عليه.