الشرط الرابع: أن يثبت عنده سببه بإقرار، أو بينة. فإن ثبت بإقرار، فللسيد أن يسمعه، ويقيم الحد به إذا كان عالماً بشروط الإقرار وكيفيته. وإن ثبت ببينة، اعتبر ثبوتها عند الحاكم؛ لأن للحاكم ولاية البحث عن العدالة، والاجتهاد فيها، ومعرفة شروطها، بخلاف غيره. وذكر القاضي: أن السيد إن عرف شروطها، وأحسن استماعها، ملك سماعها، وإقامة الحد بها، كالإقرار. ولا يقيم الحد بعلمه ورؤيته؛ لأن الإمام لا يقيمه بعلمه، فالسيد أولى. وعن أحمد: أنه يقيمه بعلمه؛ لأنه ثبت عنده أشبه ما لو أقر به عنده.
فصل
ولا يقام الحد على حامل حتى تضع، سواء كان الحد رجماً أو غيره؛ لأنه لا يؤمن تلف الولد. وقد روى بريدة: «أن امرأة أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: إني فجرت، فوالله إني لحبلى، فقال لها: ارجعي حتى تلدي فرجعت، فلما ولدت أتته بالصبي، فقال: ارجعي فأرضعيه حتى تفطميه. فجاءت به وقد فطمته وفي يده شيء يأكله، فأمر بالصبي، فدفع إلى رجل من المسلمين، وأمر بها فحفر لها، وأمر بها فرجمت.» رواه أبو داود. فإن كان الحد قتلاً، فالحكم فيه على ما ذكرنا في القصاص في الحامل. وإن كان جلداً، وكانت عقيب الولادة قوية يؤمن تلفها، أقيم عليها الحد، وإن كانت ضعيفة أو في نفاسها، فقال أبو بكر: يقام حدها بشيء يؤمن معه تلفها، ولا تؤخر، كالمريض.
وقال القاضي: ظاهر كلام الخرقي، تأخيرها حتى تطهر من نفاسها، ويؤمن معه تلفها؛ لما روي عن علي قال: «فجرت جارية لآل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا علي انطلق فأقم عليها الحد فانطلقت، فإذا بها دم يسيل لم ينقطع، فأتيته فأخبرته، فقال: دعها حتى ينقطع عنها الدم، ثم أقم عليها.» رواه مسلم بنحو هذا المعنى.
ولا يجلد السكران حتى يصحو؛ لأن المقصود زجره وتنكيله، ولا يحصل في حال سكره.
فصل
ولا يقام الحد في المسجد، جلداً كان أو غيره؛ لما روى حكيم بن حزام، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود» ؛ ولأنه لا يؤمن أن يحدث من المحدود شيء، فيتلوث به المسجد، فإن أقيم به سقط الفرض؛ لأن المقصود حاصل. والمرتكب للنهي غير المحدود، فلم يمنع