فارجمها» وأمر برجم ماعز ولم يحضر. وأتي بسارق، فقال: «اذهبوا فاقطعوه» . وجميع الحدود في هذا سواء، حد القذف وغيره؛ لأنه لا يؤمن فيه الحيف، والزيادة على الواجب. ويفتقر إلى الاجتهاد، فأشبه سائر الحدود، إلا أن للسيد إقامة الحد على رقيقه؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد» . وروى علي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم» . ولا يملك إقامته إلا بشروط أربعة:
أحدها: أن يكون مكلفاً، عالماً بالحدود وكيفية إقامتها؛ لأنه إذا لم يعلم، لا يمكنه الإتيان به على وجهه. وهل تشترط عدالته؟ فيه وجهان:
أحدهما: تشترط؛ لأنه ولاية، فنافاها الفسق، كولاية التزويج؛ ولأنه لا يؤمن من الفاسق التعدي بزيادة أو نقص.
والثاني: لا يشترط؛ لأنها ولاية ثبتت بالملك، أشبهت ولاية التأديب. وفي اشتراط الذكورية وجهان، كما ذكرنا في العدالة. فإن قلنا: تشترط، ففي أمة المرأة وجهان:
أحدهما: يفوض حدها إلى وليها، كتزويجها.
والثاني: يفوض إلى الإمام، كأمة الصغير. وهل تشترط الحرية؟ فيه وجهان. ووجههما ما تقدم. فإن قلنا: تشترط، لم يثبت لمكاتب؛ لأنه ليس من أهل الولاية، ويفوض إلى الإمام.
الشرط الثاني: أن يختص بالمملوك، فأما المشترك، والأمة المزوجة، والمكاتبة، فلا يقيم الحد عليهم إلا الإمام؛ لأن ابن عمر قال ذلك، ولا مخالف له في الصحابة، ولأنه لم تكمل ولايته عليهم، فأشبهوا من بعضه حر.
الشرط الثالث: أن يكون الحد جلداً، كحد الزنا والشرب والقذف. فأما القطع والقتل في الردة، فلا يملكه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أمر بالجلد، فلا يثبت في غيره؛ ولأن الجلد تأديب، فيملكه السيد، كتأديبه على حقوقه. وفي تفويضه إليه ستر على عبده، كيلا يفتضح بإقامة الإمام له، فتنقص قيمته. وهذا منتف في القطع والقتل؛ ولأن فيهما إتلافاً فيحتاج إلى مزيد احتياط. قال القاضي: وكلام أحمد يقتضي رواية أخرى: أنه يقيمهما؛ لعموم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم» ولأن ابن عمر قطع عبداً سرق. وحفصة قتلت أمة سحرتها.