المطالبة بالحد؛ لما روى الأشعث بن قيس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا أوتى برجل يقول: إن كنانة ليست من قريش إلا جلدته» لقول ابن مسعود: لا حد إلا في قذف محصنة، أو نفي رجل عن أبيه. فعلى هذا، يعتبر الإحصان في الرجل، دون أمه. فلو كانت أمه ميتة أو مشركة، أو أمة، وهو محصن، لوجب له. وهذا اختيار الخرقي، وقال أبو بكر: لا حد على قاذف ميت؛ لأنه لا يطالب فلم يحد قاذفه كما لو قذف غير الأم، ولا خلاف في أنه لو قذف أباه أو أخاه، لم يلزمه حد؛ لأنه لم يقدح في نسبه، بخلاف مسألتنا، ولو مات المقذوف قبل المطالبة بالحد، لم يجب. وإن مات بعد المطالبة به، قام وارثه مقامه؛ لأنه حق له يجب بالمطالبة، فأشبه رجوع الأب فيما وهب لولده.
فصل
وإذا شهد على إنسان بالزنا دون الأربعة، فعليهم الحد، لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ولأن أبا بكرة، ونافعاً وشبل بن معبد، شهدوا على المغيرة بن شعبة، ولم يكمل زياد شهادته، فحد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الثلاثة بمحضر من الصحابة، فكان ذلك إجماعاً، وكذلك إن لم يكمل الرابع شهادته، فعليهم الحد كذلك. وإن شهد ثلاثة، وزوج المرأة، حد الثلاثة؛ لأن الزوج غير مقبول الشهادة على زوجته بالزنا، لإقراره على نفسه بعداوتها، لجنايتها عليه، بإفساد فراشه، وإلحاق العار به، وعلى الزوج الحد، إلا أن يسقطه عنه بلعانه. وإن شهد أربعة، فبانوا فساقاً، أو عبيداً، أو عمياناً، أو بعضهم، ففيهم ثلاث روايات:
إحداهن: عليهم الحد؛ لأن شهادتهم بالزنا لم تكمل، فلزمهم الحد، كما لو شهد ثلاثة.
والثانية: لا حد عليهم؛ لقول الله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] وهؤلاء أربعة؛ ولأنه أحرزوا ظهورهم بكمال عددهم، فأشبه ما لو شهد أربعة بزناها، فشهد ثقات أنها عذراء.
والثالثة: إن كانوا عمياناً، فعليهم الحد، وإن كانوا فساقاً، أو عبيداً، فلا حد عليهم؛ لأن الأعمى يشهد بما لم يره يقيناً، فيكون شاهد زور يقيناً، وغيرهم بخلاف