إحداهما: يشترط؛ لما ذكرنا في المجنون.
والثانية: لا يشترط، بل متى قذف من يجامع مثله، فعليه الحد؛ لأنه عاقل حر عفيف، يتعير بالقذف، أشبه البالغ. وإن قذف مجبوباً، أو رتقاء، فعليه الحد، لعموم الآية؛ ولأن تعذر الوطء في حقهما بأمر خفي لا يعلم به، فلا ينتفي العار عنه.
فصل
الثالث: أن يكون القاذف والداً، فإن قذف والد ولده وإن سفل، فلا حد عليه، أباً كان أو أماً؛ لأنها عقوبة تجب لحق الآدمي، فلم تجب لولد على والده، كالقصاص. ولو قذف زوجته، فماتت وله منها ولد، أو قذفت زوجها ولها منه ولد، سقط الحد؛ لأنه لما لم يثبت له على والده بقذفه، فلم يثبت له عليه بالإرث. وإن كان للميت ولد آخر من غيره، ثبت الحد؛ لأنه يثبت لكل واحد من الورثة على الانفراد.
فصل
الرابع: أن يقذف بالزنا الموجب للحد، فإن قذف بالوطء دون الفرج والقبلة، لم يجب الحد به، لما تقدم.
والقذف صريح وكناية؛ فالصريح أن يقول: زنيت، أو يا زاني، أو زنى فرجك، أو دبرك أو ذكرك، ونحوه مما لا يحتمل غير القذف، فهذا يجب به الحد، ولا يقبل تفسيره بما يحيله؛ لأنه صريح فيه، أشبه التصريح بالطلاق. وإن قال: يا لوطي، فقال أكثر أصحابنا: هو صريح، وقال الخرقي: إذا قال: أردت أنك من قوم لوط، فلا حد عليه، وهذا بعيد؛ لأن قوم لوط أهلكهم الله فلم يبق منهم أحد. وإن قال: زنى فلان، وأنت أزنى منه، فهو قاذف لهما؛ لأنه وصف هذا بالزنى على وجه المبالغة؛ لأن لفظة أفعل للتفضيل. وإن قال: أنت أزنى من فلان، أو أزنى الناس، فهو قاذف للمخاطب كذلك، وليس بقاذف لفلان؛ لأن لفظة أفعل يستعمل للمنفرد بالفعل، كقوله تعالى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ} [يونس: 35] وإخباره عن قوم لوط: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] وقال القاضي: هو قذف لهما؛ لأن لفظة أفعل يقتضي اشتراكهما في الفعل، وانفراد أحدهما بمزية. وإن قال: زنأت بالهمزة، فهو قذف في قول أبي بكر وأبي الخطاب؛ لأن العامة لا تفهم منه إلا القذف. وقال ابن حامد: إن كان القاذف عامياً فهو قاذف، وإن كان يعلم العربية، فليس بقاذف؛ لأن معناه طلعت، كما قال الشاعر: