من وقف المساكين لم يقطع؛ لأن له فيه حقاً، وإن سرق منه غني، قطع؛ لأنه لا حق له فيه، وإن سرق حصير مسجد، أو قنديله، أو نحوه مما جعل لنفع المصلين، لم يقطع؛ لأن له فيه حقاً. وإن سرق بابه، أو تأزيره، أو شيئاً من خشب سقفه، ففيه وجهان:
أحدهما: يقطع؛ لأنه لا حق له فيه وهو محرز بحرز مثله، أشبه سارق ذلك من بيت آدمي.
والثاني: لا قطع عليه؛ لأن المسجد كله إنما يراد لنفع المصلين، ولأنه ليس له مالك من المخلوقين. والكعبة وغيرها في هذا سواء، ولا يقطع بسرقة ستارتها الخارجة منها؛ لأنها غير محرزة. وقال القاضي: إن كانت مخيطة عليها، قطع سارقها لأن هذا حرز مثلها.
فصل
ولا قطع على الزوجة إذا منعت نفقتها فأخذت بقدرها؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» ولا على الضيف إذا منع قراه، فأخذ بقدره؛ لأن له حقاً. وإن سرق غير ذلك من البيت الذي هو فيه، لم يقطع؛ لأنه غير محرز عنه، وإن كان محرزاً عنه، فعليه القطع، لعدم الشبهة. ولا قطع على المضطر إذا سرق ما يأكله إذا لم يقدر على ذلك إلا بالسرقة؛ لأنه فعل ما له فعله. قال أحمد: لا قطع في المجاعة؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لا قطع في عام سنة. قيل لأحمد. تقول به؟ قال: أي لعمري لا أقطعه إذا حملته الحاجة والناس في شدة ومجاعة. ولا قطع على الغريم إذا جحده غريمه، أو منعه ولم يقدر على استيفاء دينه، فأخذ بقدره في أحد الوجهين، وهو اختيار أبي الخطاب؛ لأن طائفة من أهل العلم أباحت له ذلك، فيكون شبهة. وفي الآخر عليه القطع، وهو قول القاضي؛ لأنه ليس له الأخذ. فإن كان غريمه باذلاً له، قطع؛ لأنه لا شبهة له في السرقة، لإمكان التوصل إلى أخذه. وإن سرق المسروق منه مال السارق، والمغصوب منه مال الغاصب من حرز فيه ماله، ففيه وجهان:
أحدهما: لا قطع عليه؛ لأنه هتك حرزاً له هتكه، لأخذ ماله.
والثاني: يقطع؛ لأنه لما أخذ غير ماله، علم أنه قصد سرقة مال غيره. وإن سرق ماله من حرز لا مال له فيه، فحكمه حكم السارق من غريمه، وإن أحرز المغصوب أو المسروق، فسرقه أجنبي، لم يقطع؛ لأنه حرز لم يرضه مالكه. وإن غصب داراً، فأحرز