والثاني: لا قطع فيها؛ لأنها تابعة لما لا قطع فيه، أشبه ثياب الحر، ويقطع بسرقة سائر الكتب المتقومة المباحة؛ لأنه يجوز بيعها، أشبهت الثياب. فإن كانت محرمة، ككتب البدع، والشعر المحرم، فلا قطع فيها؛ لأنها محرمة، أشبهت المزامير، ولا يقطع بسرقة الماء؛ لأنه لا يتمول عادة، ولا بسرقة السرجين، وإن كان طاهراً لذلك، ولأنه يوجد كثيراً مباحاً، فلا تكثر تعلق الرغبات به، فلا حاجة إلى الزجر عنه. وإن سرق كلأً، أو ملحاً، فقال أبو بكر: لا قطع عليه؛ لأنه مما ورد الشرع باشتراك الناس فيه، أشبه الماء. وقال أبو إسحاق بن شاقلا: يقطع؛ لأنه يتمول عادة أشبه الصيد، والثلج مثله. وقال القاضي: هو كالماء؛ لأنه ماء جامد.
فصل
الشرط الخامس: أن يكون المسروق مما لا شبهة للسارق فيه؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، فلا يقطع الوالد بسرقة مال ولده وإن سفل؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنت ومالك لأبيك» رواه أبو داود. والأم كالأب في هذا؛ لأنها أحد الأبوين أشبهت الأب ولا يقطع الابن بسرقة مال والده وإن علا في إحدى الروايتين؛ لأن بينهما قرابة تمنع شهادة أحدهما لصاحبه، أشبهت الأب. ويقطع سائر الأقارب بسرقة مال أقاربهم، لعدم ذلك فيهم، ولا يقطع العبد بسرقة مال سيده؛ لما روي أن عبد الله بن عمرو بن الحضرمي قال لعمر: إن عبدي سرق مرآة امرأتي، ثمنها ستون درهماً، فقال: أرسله، لا قطع عليه، غلامكم أخذ متاعكم؛ ولأن يده كيد مولاه، بدليل أنه لو كان في يده مال، فتنازعه السيد وأجنبي، كان لسيده. وإن سرق أحد الزوجين من مال الآخر الذي لم يحرزه عنه، لم يقطع؛ لأنه غير محرز عنه. وإن سرق مما أحرزه عنه ففيه روايتان:
إحداهما: لا قطع عليه؛ لقول عمر: غلامكم أخذ متاعكم؛ ولأن أحدهما يرث صاحبه من غير حجب، وترد شهادته له، أشبه الولد، وهذا اختيار الخرقي وأبي بكر.
والأخرى: يقطع، لعموم الآية، ولأنه سرق مالاً محرزاً عنه، لا شبهة له فيه، أشبه الأجنبي، ولا قطع على من سرق مالاً له فيه شركة؛ لأن له فيه حقاً، فكان ذلك شبهة، ولا قطع على مسلم بالسرقة من بيت المال لذلك، ولأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال لابن مسعود حين سأله عمن سرق من بيت المال: أرسله، فما من أحد إلا وله في هذا المال حق. وإن سرق منه ذمي قطع؛ لأنه لا حق له فيه.
ومن سرق من الغنيمة ممن له فيها حق، أو لولده، أو لسيده، لم يقطع لذلك. وإن لم يكن كذلك، فسرق منها بعد إخراج الخمس، قطع؛ لأنه لا حق له فيها. وأن سرق قبل إخراج الخمس، لم يقطع؛ لأن له حقاً في خمس الخمس. وإن سرق مسكين