فصل

وإن تاب المحارب قبل القدرة عليه، سقط عنه حد المحاربة؛ لقول الله تعالى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 34] . فيسقط عنه انحتام القتل، والصلب، والقطع، والنفي، ولا يسقط حق الآدمي من القصاص، وغرامة المال، وحد القذف؛ لأنه حق للآدمي، فلم يسقط بالتوبة، كالضمان. وإن تاب بعد القدرة عليه، لم يسقط عنه شيء مما وجب عليه؛ لأن الله تعالى شرطه في المغفرة لهم، كون التوبة قبل القدرة، فيدل على عدمها بعدها، ولأن إسقاطه بالتوبة بعد القدرة يفضي إلى إسقاطه بالكلية؛ لأنه يخبر بتوبته متى قدرنا عليه، ولا نأمن أن يكون تقية، فلا يسقط ما تيقنا وجوبه بالشك.

فصل

ومن وجب عليه حد لله تعالى فتاب، فهل يسقط عنه؟ فيه روايتان:

إحداهما: يسقط؛ لقول الله تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 39] وقال في الزانيين: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: 16] ولأنه حد فسقط بالتوبة، كحد المحارب.

والثانية: لا يسقط؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وقال سبحانه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ؛ ولأن ماعزاً والغامدية جاءا مقرين تائبين. فأقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهما الحد.

قال أصحابنا: ولا يعتبر إصلاح العمل مع التوبة في إسقاط الحد؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التوبة تجب ما قبلها» ولأنها توبة من ذنب، فلم يعتبر في حكمها إصلاح العمل، كالإسلام. ويحتمل أن يعتبر إصلاح العمل مدة يتبين فيها أمره؛ لقول الله: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ} [المائدة: 39] . وقال: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا} [النساء: 16] علق الحكم على شرطين، فلا يثبت بدونهما، ولأنه لا يؤمن أن يكون إظهار التوبة تقية، فلا يتحقق وجودها، فلا يثبت الحكم بها بمجردها، كتوبة المحارب بعد القدرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015