وروى أبو داود بإسناده عن ابن عباس قال: «وادع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بردة الأسلمي، فجاء أناس يريدون الإسلام، فقطع عليهم أصحابه، فنزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالحد فيهم: أن من قتل وأخذ المال، قتل وصلب. ومن قتل ولم يأخذ المال، قتل، ومن أخذ المال ولم يقتل، قطعت يده ورجله من خلاف» ، وهذا نص.

وحكم الردء حكم المباشر في جميع هذه الجنايات؛ لأنها محاربة، فاستوى فيها الردء والمباشر، كالجهاد يستوي الردء والمباشر في استحقاق الغنيمة. وذكر القاضي فيمن قتل وأخذ المال رواية أخرى: أنه يقطع، ثم يقتل؛ لأن القتل جزاء القتل، والقطع جزاء أخذ المال مفرداً، وإذا اجتمعا، وجب حدهما، كالزنا والسرقة. والأول أولى؛ لأنه متى كان في الحدود قتل، سقط ما دونه، كالرجم في الزنا، والقطع في السرقة.

فصل

ومن شرط المحارب أن يكون مع سلاح، أو يقاتل بسلاح؛ لأن من لا سلاح له لا منعة له. وإن قاتل بالعصا والحجارة، فهو محارب؛ لأنه سلاح يأتي على النفس ولأطرف، أشبه الحديد، وهل من شروطه أن يكون في الصحراء؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا يكون محارباً حتى يشهر السلاح في الصحراء، فإن شهره في مصر أو قرية، وسعى فيها بالفساد، فليس بمحارب، هذا ظاهر كلام الخرقي؛ لأن الواجب على المحاربين يسمى: حد قطاع الطريق، وقطع الطريق إنما يكون في الصحراء، ولأن المصر يلحق فيه الغوث غالباً، فتذهب شوكتهم، ويكونون مختلسين. وقال جماعة من أصحابنا: هم محاربون حيث كانوا، لعموم الآية فيهم، ولأن ضررهم في المصر أعظم، فكانوا بالحد أولى. وقال القاضي: إن كبسوا داراً في مصر بحيث يلحقهم الغوث عادة لم يكونوا محاربين. وإن حضروا قرية، أو بلداً؛ بحيث لا يلحقهم الغوث، لكثرة العدد، أو بعد البلد من الغوث، فهم قطاع طريق؛ لأن الغوث لا يلحقهم عادة فأشبهوا من في الصحراء.

فصل

ويشترط لتحتم القتل أن يقتل قاصداً لأخذ المال، فإن قتل لغير ذلك فليس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015