وإن قطع طرف رجل، وقتل آخر، قطع لصاحب الطرف، ثم قتل للآخر، تقدم القتل، أو تأخر؛ لأنه أمكن الجمع بين الحقين من غير نقص، فلم يجز إسقاط أحدهما، بخلاف التي قبلها. وإن قطع يد رجل، وإصبعًا من آخر، قدمنا السابق منهما، أيهما كان؛ لأن اليد تنقص بنقص الإصبع، ولذلك لا تؤخذ الصحيحة بالناقصة، بخلاف النفس، فإنها لا تنقص بقطع الطرف، بدليل أخذ الصحيح الأطراف بمقطوعها.
فصل:
وإن قتل وارتد، أو قطع يمينًا وسرق، قدم حق الآدمي؛ لأن حقه مبني على التشديد، لشحه وحاجته. وحق الله مبني على السهولة، لغنى الله وكرمه.
إذا قتل الآدمي، استحق القصاص ورثته كلهم، لما روى أبو شريح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قتل له قتيل، فأهله بين خيرتين، أن يأخذوا العقل، أو يقتلوا» . رواه أبو داود. وفي ((الصحيحين)) من حديث أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قتل له قتيل، فهو بخير النظيرين، إما أن يقتل، وإما أن يفدى» . ولأنه حق يستحقه الوارث من جهة موروثه، فأشبه المال. فإن كان الوارث صغيرًا، لم يستوف له الولي. وعنه: للأب استيفاؤه؛ لأنه أحد بدلي النفس، فأشبه الدية. والمذهب الأول؛ لأن القصد التشفي، ودرك الغيظ، ولا يحصل ذلك باستيفاء الأب، فلم يملك استيفاءه، كالوصي، والحاكم. فعلى هذا: يحبس القاتل إلى أن يبلغ الصغير، ويعقل المجنون، ويقدم الغائب؛ لأنه فيه حظًا للقاتل بتأخير قتله، وحظًا للمستحق بإيصال حقه إليه. فإن أقام القاتل كفيلًا، ليخلي سبيله، لم يجز؛ لأن الكفالة بالدم غير صحيحة. وإن وثب الصبي، أو المجنون على القاتل، فقتله، ففيه وجهان:
أحدهما: يصير مستوفيًا لحقه؛ لأنه عين حقه أتلفه، فأشبه ما لو كانت وديعة عند رجل.
والثاني: لا يصير مستوفيًا لحقه؛ لأنه ليس من أهل الاستيفاء، فتجب له دية أبيه، وعلى عاقلته دية القاتل، بخلاف الوديعة، فإنها لو تلفت من غير تعد، برئ منها المودع، ولو هلك الجاني، من غير فعل، لم يبرأ من الجناية. وإن كان القصاص بين صغير وكبير، أو مجنون وعاقل، أو حاضر وغائب، لم يجز للكبير العاقل الحاضر