لظاهر قوله: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] . والمذهب أن ذلك يجزئ مع تعذر المساكين للحاجة، ولا يجزئ مع وجودهم؛ لأنه أمكن امتثال الأمر بصورته ومعناه.

فصل:

والواجب أن يدفع إلى كل مسكين مد بر أو نصف صاع من تمر أو شعير، لما روى الإمام أحمد: بإسناده عن أبي يزيد المدني قال: «جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمظاهر: أطعم هذا فإن مدي شعير مكان مد بر» وهذا نص، ولأنها كفارة تشتمل على صيام وإطعام، فكان منها لكل فقير من التمر نصف صاع، كفدية الأذى. وأما المد من البر، فيجزئ؛ لأنه قول زيد وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ويجب أن يملك كل فقير هذا القدر، فإن دفعه إليهم مشاعاً، فقال: هذا بينكم بالسوية، فقبلوه، أجزأه لأنه دفع إليهم حقهم، فبرئ منه كالدين.

وقال ابن حامد: يجزئه، وإن لم يقل بالسوية؛ لأن قوله: عن كفارتي يقتضي التسوية، وإن غداهم أو عشاهم ستين مداً، ففيه روايتان:

أحدهما: يجزئ لقول الله تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] . وهذا قد أطعمهم، ولأن أنساً فعل ذلك، وظاهر المذهب أنه لا يجزئ؛ لأنه لا يعلم وصول حق كل فقير إليه، ولأنه حق وجب للفقراء شرعاً، فوجب تمليكهم إياه كالزكاة، ولا يجب التتابع في الإطعام لأن الأمر به مطلق لا تقييد فيه.

فصل:

ويجزئه في الإطعام ما يجزئه في الفطرة، سواء كانت قوت بلده أو لم تكن، وإن أخرج غيرها من الحبوب التي هي قوت بلده أجزأه، ذكره أبو الخطاب، لقول الله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] ، فإن أخرج غير قوت بلده، خيراً منه، جاز لأنه زاد على الواجب، وإن كان أنقص منه، لم يجزئ وقال القاضي: لا يجزئ إخراج غير ما يجزئ في الفطرة لأنه إطعام للمساكين، فأشبه الفطرة، والأول أجود، لموافقته ظاهر النص، ويجوز إخراج الدقيق إذا بلغ قدر مد من الحنطة، وفي الخبز روايتان:

إحداهما: يجزئه، لقول الله تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] . ومخرج الخبز قد أطعمهم، والأخرى لا يجزئه؛ لأنه قد خرج عن حال الكمال، والادخار، فأشبه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015