الطلاق، لعدم علمه بمعناه، فإن نوى موجبه لم يقع؛ لأنه لم يتحقق اختياره لما لا يعلمه، فأشبه ما لو نطق بكلمة الكفر من لا يعرف معناها. ويحتمل أن تطلق لأنه أتى بالطلاق ناويا مقتضاه، فوقع كما لو علمه. وهكذا العربي إذا نطق بلفظ الطلاق بالعجمية غير عالم بمعناه.
فصل:
وإذا طلق جزءا من زوجته، كثلثها وربعها، أو عضوا منها، كيدها وإصبعها، طلقت؛ لأنه لا يتبعض، فإضافته إلى البعض إضافة إلى الجميع، كالقصاص. وإن أضافه إلى الشعر والسن والظفر، لم يقع؛ لأن هذه تزول، ويخرج غيرها، فلم يقع بإضافته إليها، كالريق. وإن أضافه إلى الريق والدمع والعرق، لم يقع؛ لأنه ليس من ذاتها، إنما هو مجاور لها، وإن أضافه إلى سوادها أو بياضها لم يقع؛ لأنه عرض ليس من ذاتها. وإن أضافه إلى روحها. فقال أبو بكر: لا يقع؛ لأنها ليست عضوا، ولا جزءا ولا شيئا يستمتع به، ولا يحل العقد به. وقال أبو الخطاب: يقع بإضافته إلى روحها ودمها؛ لأن دمها من أجزائها فهو كلحمها، وروحها بها قوامها. وإن أضافه إلى الحمل، لم يقع لأنه ليس من أعضائها، وإنما هو مودع فيها.
فصل:
إذا قال لزوجته: أنا منك طالق، لم تطلق لأنه محل لا يقع الطلاق بإضافته إليه من غير نية، فلم يقع بنية كالأجنبي؛ ولأنه لو قال: أنا طالق، لم يقع به طلاق، فكذلك إذا قال: أنا منك طالق، كالأجنبي. وإن قال: أنا منك بائن، أو بريء، ففيه وجهان:
أحدهما: لا يقع طلاقه؛ لأنه لا يقع بإضافة صريحة إليه، فكذلك كنايته.
والثاني: يقع؛ لأن البينونة والبراءة يوصف بها الرجل، فيقال: بان منها، وبانت منه؛ ولأنه عبارة عن قطع الوصلة التي بينهما، فصح إضافته إلى كل واحد منهما.
لا يقع الطلاق بمجرد النية؛ لأنه إزالة ملك، فلا يحصل بمجرد النية، كالعتق. ولو قال: أنت، ونوى الطلاق، وأشار بأصابعه - لم يقع؛ لأنه ليس من كنايات الطلاق ولا صريحه، ولا يقع الطلاق إلا بصريح أو كناية. فالصريح: لفظ الطلاق وما تصرف منه؛ لأنه موضوع له على الخصوص، يثبت له عرف الشرع والاستعمال. فإذا قال: أنت طالق أو مطلقة أو طلقتك، أو يا مطلقة، فهو صريح. وذكر أبو بكر في قوله: أنت مطلقة - رواية أخرى أنه ليس بصريح؛ لأنه يحتمل أن يريد طلاقا ماضيا، والمذهب الأول؛ لأنه متصرف