غير وكذلك قوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} فإن فيه خفاء؛ لأن ألف شهر من السنين، وفي كل سنة ليلة القدر، فكان فيه تفضيل الشيء على نفسه في حق الجزء.
قلنا: معناه أنها خير من ألف شهر لم يكن فيه ليلة القدر. أو لاستعارة بديعة، مثل قوله تعالى:
{قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} فالقارورة من الزجاج تكون لا من الفضة، فتأملنا فقلنا: إن تلك الأواني لا تكون من الزجاج، ولا بد من الفضة، بل لتلك الأواني حظ منهما، فإن للزجاج صفاء ليس هو للفضة وهو أن يجلي عما في باطنه، والفضة لها بياض ليس هو للزجاج، فكان لتلك الأواني صفاء الزجاج وبياض الفضة، وهما الصفتان الحميدتان لهما، فانتهت عنها الصفات الذميمة التي لهما.
وكذلك قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ} حيث يستفاد شدة العذاب من الإذاقة؛ إذ الشيء المر يعلم مرارته عند الذوق أكثر مما يعلم عند استمرار الشرب، ويستفاد اشتمال العذاب من اللباس، فكان قال: عذبها الله بعذاب هو مؤلم شامل.