هذا؛ لأنه يجوز أن يكون العلم بالحديث موجودًا واستقامة العمل بالحديث لم تكن موجودة.
فعلم بهذا أن وجود علم الحديث نفسه كان صحيحًا بدون وجود الرأي؛ لما أن هذا يتعلق بذاك بغير الوجه الذي يتعلق ذاك بهذا، وفي مثل هذا لا يتأتى التنافي ولا الدور. ونظير هذا بعينه في صناعة النحو قوله تعالى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا} فإن قوله: {أَيًّا} منصوب بـ {تَدْعُوا}، وقوله: {تَدْعُوا} مجزوم بـ
{أَيًّا}. ومن حيث الظاهر ذاك أنفى من هذا؛ لأن في ذاك حال عمل هذا، في ذاك عمل ذاك في هذا، فكان هذا عاملًا فيه حال كونه معمولا له، فالعمالية تقتضي النقد، والمعملية تقتضي التأخر الشيء الواحد بالنسبة إلى غيره لا يكون متقدمًا عليه ومتأخرًا عنه في حالة واحدة، ولكن عمل هذا في ذاك غير عمل ذاك في هذا؛ فإن عمل هذا في ذاك باعتبار الشرطية، وعمل ذاك في هذا باعتبار المفعولة، والمفعولة غير الشرطية، فلا يتنافيان في الوجود، وإن كان اقتضاء التقدم والتأخر لكل واحد منهما موجبًا للتنافي، وهذا واضح بحمد الله تعالى.
وكان شيخي- رحمه الله- يقول: وإن كان كل واحد منهما محتاجًا إلى الأخر، لكن الاكتفاء بالرأي أكثر صورًا من الاكتفاء بالحديث.
ألا ترى أن الضلال الذين ضلوا بسبب الاكتفاء بالرأي من الفلاسفة