الرأي إلا بالحديث)) يقتضي الدور وهو ظاهر، وكل شيء كان مبناه على الدور فهو لا يوجد أصلًا؛ لتوقف وجود كل واحد منهما على وجود صاحبه، فحينئذ لا يوجد الحديث ولا الرأي، والكلام سيق لترغيب الطلبة إلى تحصيلهما جميعًا، وفي هذا الذي ذكره لا يوجد واحد منهما، فكيف يوجدان هما جميعًا؟! فما وجهه؟
قلت: وجهه هو أن المراد من هذا الكلام اجتمعهما كما في العلة ذات وصفين من القرابة والملك في العتق، فإن القرابة هناك لا تعمل بدون الملك ولا الملك بدون القرابة، فكان المراد منه اجتماعهما في حق العتق، فكذا هنا المراد منه في حق اجتهاد المجتهد اجتماع استقامة الحديث والرأي. لا أن كان كل واحد منهما موقوفا على وجود الآخر.
أو نقول: هو أن فيه نفي استقامة كل واحد منهما بدون استقامة الآخر لا وجودهما، واستقامة الشيء عبارة عن العمل به على وجه الصواب، والعمل بكل واحد منهما مغاير للعمل بالآخر، فكان أصل وجود كل واحد منهما غير مفتقر إلى الآخر، فحينئذ لا يتنافيان في وجود استقامتهما، فإن معناه: لا يستقيم العمل بالحديث إلا بالعمل بالرأي على وجه الصواب، ولا يستقيم العمل بالرأي على وجه الصواب إلا بعلم الحديث، فلا منافاة في