فكانت حرمة تلف النفس أشد حرمة وأعظم خطرًا من حرمة تلف المال، مع أن استهلاك المال بالتناول مجبور بالضمان بقيمة المال، ففي الإكراه على المكره الآمر، وفي المخمصة على الآكل فصار كأن المال لم يهلك؛ لأن قيمة المال تقوك مقام المال.
فإن قلت: بالنظر إلى هذا الدليل ينبغي أن تكون هذه الرخصة من قبيل رخصة الإسقاط كما أكل الميتة وشرب الخمر حالة الإكراه وحالة المخمصة بل أولى؛ لأن حرمتهما في نفسهما ثابتة؛ لأنه ذكر في إيمانه "التتمة" محالًا علة "المنتقي" رجل حلف لا يأكل الحرام فاضطر إلى ميتة فأكل منها حنث.
وأما هاهنا فلما ضمن قيمة المال وأداها صار كأنه لم يستهلك المال لقيام قيمته مقامه، فحينئذ كان قاتلا نفسه بالامتناع عن التناول بدون استهلاك كمال الغير فيجب أن يأثم لصبره حتى قتل، والحكم على خلاف ذلك، فإنه لو امتنع حتى قتل كان شهيدًا مأجورًا.
قلت: نعم كذلك غير أم جواب هذا وأمثاله مبني على ما ذكر في آخر إكراه "المبسوط" فقال: وكل أمر أحله الله في مثل ما أحل في الضرورة من الميتة وغيرها والفطر في المرضى والسفر فلم يفعل حتى مات أو قتل فهو آثم، وما أمر حرمه الله تعالى ولم يجيء فيه إحلال إلا أن فيه رخصة فأبى أن يأخذ