من العبادات وغيرها يجب أن يكون كذلك. يعني لو أراد وجود المأمور به من المكلف يأمره به فيوجد المأمور به ضرورة، كما في هذه الآية أخبر انه لو أراد وجود شيء من العالم يأمره بوجود فيوجد، وفي حق المكلف أيًا وجد امر الله تعالى بإتيان المأمور به، فكان علي ذلك النسق ينبغي أن يوجد المأمور به من المكلف من غير اختيار من المكلف كما في إيجاد شيء من العالم أنه يوجد ذلك الشيء من غير اختيار منه بمجرد الأمر. إلا أنا لو قلنا ذلك يلزم الجبر علي المكلف ويسقط الاختيار، وللعبد اختيار في إتيان الطاعة والمعصية لتحقيق الابتلاء.

قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} وقال تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} فعدلنا لذلك من الوجود إلي الوجوب لا إلي الندب والإباحة؛ لما ان الوجوب أكثر إفضاء إلي الوجود من الندب والإباحة. أعني لما لم يكن الوجود مرادًا من الأمر الوارد علي المكلف لضرورة نفي الخبر منه اضطررنا إلي أن نحمل ذلك الأمر إلي الشيء الذي هو أقرب للوجود وأكثر إفضاء إليه وهو الوجوب، وكذلك في الآية الثانية، فالمراد من القيام الوجود كما في قولهم: الأعراض قائمة بالأعيان، فقد نسب القيام أي الوجود إلي الأمر، فعلم بهذا أن الأمر علة الوجود، ثم العدول من الوجود إلي الوجوب للمعني الذي ذكرناه آنفًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015