من ماء مهين بمغاير له؛ لأنه لم يعانيه ولا يحكم العقل بأن يخلق الشخص الحيواني المنطيق البليغ العاقل الدراك لأنواع العلم الموصوف بمحاسن الحكم من ذلك الماء الجمادي الذي لا محاسن بينه وبينه، فلما خرج دليل البيان من البين بقي الخبر الصادق بالعين، ولأن القياس لا يثبت العلم القطعي بل يوجب غلبة الظن الذي يجب به العلم، ومن يعرف نفسه أنه خلق من ماء مهين يعرفه على القطع والبتات، وأما ما ذكرته من معرفة المنكر نفسه بأنه خلق من الماء فأصله راجع إلى الخبر أيضًا، فإن أبانا آدم عليه السلام كان نبينا وأخبر هو بأن أولاده مخلوقون منا لماء وحيًا، وكذلك ما بعده من الشرائع نطق به، ونزل القرآن على وفق ذلك فيه كما قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ}، ولكن الكافر لعباده أنكر نزول القرآن، وإنكاره لا يبطل حقية الحق والصواب، بل يزيد هو على نفسه شدة العقاب.
ويجوز أن يقال معنى قوله: ((لم يعرف نفسه)) أي لم يعرف أنه كان في الابتداء صغير ثم نشأ وكبر، ومعرفة إنما تكون بالخبر.
وكذلك أيضًا من أنكر الخبر لا يعرف دينه وهو ظاهر؛ لأن الدين حقيقة الخبر والسماع خصوصًا في أحكام الدين وهي الشرائع، ولا يعرف دنياه