الناس به في الآخرة بأمثال مضروبة لتفهيم ما يقوم بالنفس بعد الموت من اللذة والألم، لا بإثبات حقائق منفصلة يتنعم بها، ويتألم بها " (?) .
وحقيقة قول هؤلاء أن الله لم يكن صادقاً في إخباره عن حقائق ما في المعاد، وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك سمى شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الصنف من المتفلسفة المخالف لما عليه المسلمون في أمر المعاد (بأهل التخييل) ، وقال فيهم: " فأهل التخييل " هم المتفلسفة ومن سلك سبلهم، من متكلم ومتصوف ومتفقه، فإنهم يقولون: إن ما ذكره الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر إنما هو تخييل للحقائق لينتفع به الجمهور، لا أنه بيَّن به الحق، ولا هدى الخلق، ولا أوضح الحقائق " (?) .
ويمكننا أن نصنف المكذبين بالبعث والنشور إلى ثلاثة أصناف:
الأول: الملاحدة الذين أنكروا وجود الخالق، ومن هؤلاء كثير من الفلاسفة الدهرية الطبائعية، ومنهم الشيوعيون في عصرنا. وهؤلاء ينكرون صدور الخلق عن خالق، فهم منكرون للنشأة الأولى والثانية، ومنكرون لوجود الخالص أصلاً.
ولا يحسن مناقشة هؤلاء في أمر المعاد، بل يناقشون في وجود الخالق ووحدانيته أولاً ثم يأتي إثبات المعاد بعد ذلك، لأن الإيمان بالمعاد فرع الإيمان بالله.
الثاني: الذين يعترفون بوجود الخالق، ولكنهم يكذبون بالبعث والنشور، ومن هؤلاء العرب الذين قال الله فيهم: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [لقمان: 25] وهم القائلون فيما حكاه الله عنهم: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ - لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [النمل: 67-68] .
وهؤلاء يدَّعون أنهم يؤمنون بالله، ولكنهم يَدَّعون أن قدرة الله عاجزة عن إحيائهم بعد إماتتهم، وهؤلاء هم الذين ضرب الله لهم الأمثال، وساق لهم الحجج والبراهين لبيان قدرته على البعث والنشور، وأنه لا يعجزه شيء. ومن هؤلاء طائفة من اليهود يُسمون بالصادوقيين، يزعمون أنهم لا يؤمنون إلا بتوراة موسى، وهم يُكذبون بالبعث والنشور والجنة والنار.
الثالث: الذين يؤمنون بالمعاد على غير الصفة التي جاءت بها الشرائع السماوية.