فنقول: ليس بين هذه النصوص وتلك تعارض، وقد وفق أهل العلم بينهما بوجوه عدة.
الأول: أن الكفار لا يسألون سؤال شفاء وراحة، وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ، لم عملتم كذا وكذا؟ (?) وكذا يقال في تكليمهم واعتذارهم، أي لا يكلمهم الله بما يحبونه، بل يكلمهم كلام تقريع وتوبيخ (?) .
الثاني: أنهم لا يسألون سؤال استفهام، لأنه تعالى عالم بكل أعمالهم، وإنما يسألون سؤال تقرير، فيقال لهم: لم فعلتم كذا؟ قال الحسن وقتادة: لا يسألون عن ذنوبهم، لأن الله حفظها عليهم وكتبتها عليهم الملائكة (?) .
الثالث: أنهم يسألون في يوم القيامة في موطن دون موطن، قال القرطبي: " القيامة مواطن، فموطن يكون فيه سؤال وكلام، وموطن لا يكون ذلك " (?) .
وقال السفاريني: " وقيل يسألون في موطن دون موطن رواه عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما.. فللناس يوم القيامة حالات، والآيات مخرجة باعتبار تلك الحالات، ومن ثَمَّ قال الإمام أحمد في أجوبته القرآنية: أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون، ولا يؤذن لهم في الاعتذار فيعتذرون، ثم يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون، فذلك قوله تعالى: (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا) [السجدة: 12] " (?) الآية، فإذا أذن لهم في الكلام